Advertise here

توترات دولية مُخيفة انطلاقاً من مذكرة توقيف بوتين

25 آذار 2023 07:56:18

أدخلت مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العالم في حالة من الارتباك غير المسبوق، وقد وصل الأمر برئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف إلى التهديد باستخدام الأسلحة النووية إذا ما أقدمت أي من الدول على تنفيذ المذكرة وتوقيف بوتين، بينما سارع الرئيس الصيني شي جينبينغ الى زيارة موسكو لتهدئة الموقف من جهة، ولتوجيه رسالة للغرب أنه لن يتخلى عن روسيا في حال تطورت الأوضاع الى الأسوأ من جهة ثانية.
 
للمرة الأولى في التاريخ المعاصر تدخل محكمة جنائية دولية على خط الصراعات الكبرى، وما سبق أن حصل من إجراءات قضائية دولية؛ لا يشبه مذكرة التوقيف التي أصدرها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على اعتبار أن محاكمات نورمبرغ الدولية لقادة المانيا عام 1945، كانت محاكمة المنتصر للمهزوم، كما أن مذكرات التوقيف التي صدرت عن المحكمة الدولية ضد الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير عام 2009 وضد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي 2011 وكذلك توقيف الرئيس الصربي ميلوسوفيتش عام 2006 ومحاكمة رئيس ليبيريا تشارلز تايلور عام 2012؛ كلها لا تشبه الإجراء الذي اتخذته محكمة لاهاي بحق الرئيس الروسي في 17 آذار (مارس) 2023، لا من حيث الشكل، ولا من حيث الأهمية.
 
فبوتين يترأس دولة عظمى تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، وبلاده غير منتسبة لنظام روما الذي تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، وأوكرانيا التي وقعت جريمة الحرب التي تمَّ بموجبها نقل الأطفال من أراضيها الى الأراضي الروسية - وفق ما أشارت مذكرة التوقيف الدولية – ليست عضواً في المحكمة الدولية أيضاً، ولكنها قبلت بأن تنظر المحكمة بملف الترحيل القسري للأطفال الأوكران من دور الأيتام الى روسيا، بناءً لطلب تقدمت به 39 دولة غالبيتهم دول أوروبية غير محايدة وعلى خصام مع روسيا.
 
وينص نظام روما على أن الدعوى ضد جرائم الحرب لا تتحرك أمام المحكمة الا بناءً لطلب مجلس الأمن الدولي، أو بناءً لشكوى من دولة عضو متضررة من ارتكابات جنائية تشمل جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجرائم الإرهاب وجرائم الحرب، وهذه الارتكابات صنفتها اتفاقات جنيف الأربعة للعام 1949 على أنها جرائم دولية تخضع للمساءلة أمام القضاء الدولي، لكن سبق وأن وقعت مثل هذه الجرائم في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان وفي سوريا ولم تُحرك المحكمة ساكناً.
 
تؤكد المواقف التي صدرت بُعيد صدور مذكرة التوقيف ضد الرئيس بوتين أن القرار غير منعزل عن سياق الصراع الدولي القائم، وهو يرفع منسوب المواجهة في هذا الصراع. الإشادة بالقرار من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفائه الغربيين، يشير الى هذا التأثير السياسي، فقرار مدعي عام المحكمة الدولية كريم خان استند الى معطيات سياسية ايضاً، وهو اعتبر أن عملية نقل الأطفال الأوكران من قبل مفوضة شؤون الأطفال الروسية ماريا بيلوفا المشمولة بمذكرة التوقيف؛ لا يمكن أن تحصل من دون موافقة الرئيس بوتين.
 
مذكرة التوقيف الدولية ضد الرئيس الروسي أضفت أجواء جديدة على الحرب الدولية التي تجري على الأراضي الأوكرانية منذ أكثر من عام، وستكون لها مفاعيل قانونية وتأثيرات ميدانية كبيرة، بصرف النظر عن الاستخفاف الذي أبدته موسكو في البداية تجاه المذكرة، وهي اعتبرتها من دون أي قيمة، وليس للمحكمة أي علاقة بأحداث تجري على أراضي دول غير عضو في نظام روما، ومجلس الأمن لم يتخذ قراراً بإحالة الملف على المحكمة وفق ما ينص عليه نظامها، كما قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف. لكن المادة 89 من نظام روما تلزم الدول الأعضاء في المحكمة بتنفيذ مذكراتها والأحكام الصادرة عنها، وبالتالي فإن أكثر من 113 دولة في العالم يُفترض بها توقيف الرئيس الروسي إذا ما دخل الى أراضيها.
 
من المؤكد أن المحكمة الدولية ليست قادرة على تنفيذ مذكرة التوقيف؛ لكن صدور قرار إحضار الرئيس بوتين نقل حالة الاحتكاك الدولي الى درجة أكثر توتراً، وتصنيف بوتين على أنه ارتكب جرائم حرب، سيدفع بالأخير الى التشدُّد أكثر تجاه اخصامه في الغرب، وسيكون صعب عليه القبول بأي شكل من الأشكال، الهزيمة، لأن ذلك سيرفع كل أنواع الحصانات عنه في الخارج. وسيعمل بوتين على تغذية المشاعر القومية لحماية نفسه من أي هزيمة ديموقراطية داخل روسيا، لأن ذلك سيعرضه الى تكرار التجربة التي حصلت مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير بعد أن ترك الحكم وأصبح من دون حصانة وتعرَّض للملاحقات الجنائية.
 
يحاول الرئيس الصيني شي جينبينغ تدوير الزوايا لتلافي مواجهة دولية واسعة تهدد الاستقرار العالمي، وهو أطلق مبادرة للمصالحة بين روسيا وأوكرانيا، وحاول من موسكو تخفيف ردود الفعل الروسية على الإجراءات الغربية -ومنها مذكرة التوقيف- لتخفيف منسوب التوتر المُقلق، لكن الظروف قد لا تساعد جينبينغ على إنجاز مهمته، ذلك أن التحرشات الأميركية تطاول السواحل الصينية الجنوبية كما قال، بينما العالم أمام تغيرات هائلة قد تنسف كل ركائز النظام الدولي، بينما تحتاج الأزمات المالية والاقتصادية والتعثُر الغذائي والصحي الى السلام.