بكين تتقدّم وواشنطن تتراجع: العلاقات الدوليّة أمام توازنات جديدة

25 آذار 2023 07:02:11

ثمّة مقولة شهيرة لوزير الخارجيّة السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل بأن الزواج بين واشنطن والرياض هو زواج على الطريقة الإسلاميّة وليس زواجاً كاثوليكيّاً، وهو أوحى بهذا التصريح أن تعدّد الزوجات أمر متاح بالنسبة للفريقين، وألا حصريّة في العلاقة بين البلدين مع أية أطراف أخرى.

فتحت قمم الرياض التي إنعقدت أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جينبينع إلى العاصمة السعوديّة في شهر كانون الأول 2022 الباب على مصراعيه أمام «تورط» صيني أكبر في قضايا الشرق الأوسط، بعد أن إتخذ العملاق الآسيوي مساحة من قضاياها ومشاكلها وركز اهتمامه على أفريقيا وبقع أخرى في العالم، دون إغفال طبعاً الأهميّة التي يوليها للتجارة العالميّة والتفوق الصيني في الكثير من مجالاتها.

وفي أعقاب إعلان إتفاق بكين للمصالحة الكبرى بين الرياض وطهران، ترسخ الانطباع السياسي بأن واشنطن تبدو بعيدة ومستبعدة، لا بل مهمشة، عن مسرح الأحداث في الشرق الأوسط، وهي تبدو كأنها تنتظر على قارعة الطريق استعادة الأدوار التي لطالما احتكرتها في المنطقة. ويأخذ الحراك السياسي والديبلوماسي في المنطقة أشكالاً مختلفة ومسارات متعددة لا تصب في الأهداف الاستراتيجيّة لواشنطن. التقارب الإماراتي مع النظام السوري هو أحد أبرز الأمثلة. التقارب المصري - التركي مثال آخر. على الصعيد الفلسطيني - الإسرائيلي، انحسر تأثير واشنطن ونفوذها على تل أبيب إلى حدوده الدنيا، مع استمرار السياسات الإسرائيليّة في التوسع الاستيطاني الاستعماري، واقتصار الاجتماعات التي تُعقد برعاية الولايات المتحدة (العقبة وشرم الشيخ) على الجانب الأمني دون أي نقاش في أساس الصراع. وحتى الالتزامات الأمنيّة تتملص منها إسرائيل ولا تطبّق منها شيئاً.

ولكن تبقى الرسالة الأقوى التي وجهتها الرياض إلى واشنطن تتمثّل في إتفاق بكين الذي أعاد خلط الأوراق الإقليميّة بشكل كبير ووضع الحسابات الأميركيّة خارج المعادلة، وفتح مساراً جديداً في العلاقات بين الرياض وبكين رغم العلاقة التي كانت متجذرة منذ تأسيس المملكة العربيّة السعوديّة في الثلاثينات من القرن الماضي مع الولايات المتحدة الأميركيّة. إذا كانت الصين قد ركزت خلال السنوات الماضية على السياسات الإقتصاديّة التي يمكن أن تنفذ من خلالها إلى العالم وتبسط نفوذها فيه، فهي إقتحمت مشرح الشرق الأوسط بصورة مباشرة هذه المرة من خلال حل الخلاف المستفحل بين الرياض وطهران أو أقله وضعه على سكة الحل بما يتناقض مع الرؤية الأميركيّة - الإسرائيليّة التي كانت ذاهبة في اتجاه المزيد من الضغط والعقوبات على طهران دون تبنّي خيار إسقاط النظام.

من كان ليتصوّر أنه كان من الممكن للرياض منذ بضع سنوات أن تخطو خطوات استراتيجيّة على هذا الحجم بما يناقض السياسات الأميركيّة في المنطقة؟ ومن كان ليتصور أن تبني تحالفاً استراتيجيّاً مع الصين وتفتح مع بكين آفاق التعاون بشكل غير مسبوق بعدما كانت العلاقات الإقتصاديّة شبه مقتصرة على الغرب وفي طليعته واشنطن بطبيعة الحال؟

في الوقت الذي تعاني سياسات واشنطن من التردد والضياع، يتماسك المحور المقابل من خلال تدعيم سياساته التحالفيّة البينيّة وقد تكرّس ذلك من خلال الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس الصيني إلى موسكو. وإذا كانت بكين تعتبر علاقاتها وطيدة مع موسكو، إلا أنها تسعى أيضاً لحل أزمة النزاع المندلع في أوكرانيا منذ أكثر من سنة. وإذا كان من طرف دولي يستطيع إقناع موسكو بتسوية سياسيّة للحرب، فلن يكون هناك سوى الصين للقيام بهذا الدور.

العالم يتغيّر بشكل سريع وكبير. المهم ألا يكون رد الفعل الأميركي على توسع الدور الصيني في الساحة الدوليّة متسرعاً ومتهوراً، وإلا فسيصبح الكوكب بأكمله في خطر!