Advertise here

المفهوم اللبناني المشوّه للديمقراطية... غوغائية الرعاع!

23 آذار 2023 18:48:25

يقول المثل العامي اللبناني: "عطي خبزك للخبّاز ولو أكل نُصّو"، وهو يعني أن الإختصاص هو صاحب الفصل في الأمور الخلافية. فإذا اختلف إثنان أو أكثر في موضوع ديني، يذهبون إلى المتخصص باللاهوت إذا كان الجدل في الديانة المسيحية، أي إلى خوري أو مطران أو أباتي أو ما شابه. ويذهبون إلى فقيه في الإسلام إذا كان الجدل في الديانة الإسلامية، أي إلى علّامة أو إمام أو شيخ دين أو ما شابه. وهذا ينسحب على جميع المواضيع الطبية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية والسياسية وغيرها.

وحيث أن نظرية الديمقراطية تنتمي إلى اختصاصات العلوم الإجتماعية عامة، والعلوم السياسية على وجه الخصوص، أتجرأ على الإدعاء بأنني من المتخصصين في هذا الموضوع نسبة إلى إختصاصاتي الأكاديمية في العلوم السياسية والشؤون الدولية والفلسفة والنظرية السياسية.

إن كلمة الديمقراطية هي نسبة إلى الكلمة اللاتينية Democracy المحرفة والمستمدة من الإغريقية القديمة المؤلفة من كلمتين demos (ديموس) وتعني الشعب وkratos (كراتوس) وتعني الحُكم، أي حُكم الشعب. وحيث أن المُشرّع الغربي الذي اعتمد بناء دولته على هذه النظرية يعلم أنه من المستحيل أن يُجمع الشعب على رأي واحد، وحيث أن المعنى الحقيقي لنظرية حُكم الشعب تعني حكم أكثرية الشعب، فقد تم التعريف الرسمي والعلمي لهذه النظرية بأنها حُكم "أكثرية" الشعب، أي حُكم الأكثرية.

أنا شخصياً، ومن منطلق علمي، لم أعتقد يوماً أن لبنان هو نظام ديمقراطي بسبب النظام الطائفي، قبل الطائف وبعده. فقبل الطائف كانت مقاعد ممثلي الشعب اللبناني مقسمة إلى 60% للمسيحيين و40% للمحمديين، وال60% مقسمة بين الطوائف المسيحية بنسب كذلك، وال40% مقسمة بين الطوائف المحمدية بنسب كذلك. وبعد الطائف لم يتغير التقسيم بين الطوائف في النسب ما عدا تعديل القسمة الكبرى وجعلها 50% للمسيحيين و50% للمحمديين. وعليه، لم يعد القرار بيد الشعب وأكثرية تمثيله، بل بيد الطوائف وتمثيلها، أي أكثريات ضمن الطوائف، مما سلخ صفة حُكم الشعب عن النظام اللبناني لصالح حُكم الشعوب اللبنانية المتمثلة بالطوائف. وقد أتى هذا النظام الإنتخابي المسخ الذي يُسمى "قانون عدوان" بسبب هذه التركيبة الطائفية الإجتماعية - السياسية للشعوب اللبنانية، خوفاً من اعتماد الديمقراطية الشعبية التي رأت فيها القوى الرئيسة المسيحية (في تحالف ضمني تحت شعار "أوعى خَيّك") خطراً طائفياً عددياً لصالح المحمديين، ما نسف كلياً أي أمل لديمقراطية شعبية تؤسس لشعب واحد في وطن واحد.

ولكن، أتى ما يُسمى "التغيريون" من خلال انخراطهم في اللعبة السياسية للنظام الطائفي اللبناني، بنظريات تتنافى مع واقع الحال. فبعد وصولهم إلى الندوة البرلمانية بأصوات متدنية بسبب تشويه التمثيل الشعبي الحقيقي، أي تشويه الديمقراطية الحقيقية، الذي كرسه "قانون عدوان" الشعوبي، بدأوا بالصراخ والمواجهة بإسم الشعب اللبناني وبأنهم هم يمثلون هذا الشعب الموحد، وأنهم الصوت الحقيقي للأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني الرافض لخصومهم والمنتفض على خصومهم والمقموع من قبل خصومهم!

وهنا كان لا بد، من منطلق علمي، أن البحث عن حقيقة هذا الإدّعاء. وبعد انتزاع نيابة الدكتور رامي فنج بقرار قضائي اعترف فيه فنج، يتبين حسابياً التالي:

الأصوات الشعبية التي حصدتها كتلة التغيير قبل تشرذمها، أي النواب ال12 (بعد خروج فنج من الندوة البرلمانية)، التي يصم آذاننا أعضاؤها كل يوم بأنهم يمثلون النبض الحقيقي والقرار الحقيقي للأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، أتت على الشكل التالي (مع حفظ الألقاب):

بولا يعقوبيان: 3,524 صوت.
سينثيا زرازير: 486 صوت.
إبراهيم منيمنة: 13,281 صوت.
وضاح الصادق: 3,760 صوت.
ملحم خلف: 7,141 صوت.
ياسين ياسين: 6,004 أصوات.
فراس حمدان: 4,859 صوت.
نجاة عون صليبا: 9,332 صوت.
حليمة القعقور: 6,684 صوت.
مارك ضو: 11,656 صوت.
ميشال الدويهي: 1,768 صوت.
إلياس جرادة: 9,218 صوت.

وعليه، فإن مجموع أصوات النواب التغيريين بلغ: 77,713 صوتاً.

في المقابل، فإن أصوات نائبين فقط في مجلس النواب من خصوم هؤلاء التغيريين، وهما رئيسا كتلتي "التنمية والتحرير" و"الوفاء للمقاومة"، نبيه بري ومحمد رعد، كانت على الشكل التالي:

نبيه بري: 42,091 صوتاً.
محمد رعد: 48,543 صوتاً.

وعليه، فإنّ مجموع أصوات نائبين فقط من خصوم هؤلاء الذين يدعون تمثيل الشعب اللبناني بلغ: 90,634 صوتاً، أي بزيادة 12,921 صوتاً عن النواب ال12 مجموعين... فكيف يمثلون هؤلاء ال12 الشعب اللبناني ديمقراطياً؟

من جهة أخرى، وحسب الأرقام الرسمية، فإن عدد المقترعين (لا عدد الناخبين، بل فقط الذين اقترعوا من الناخبين) قد بلغ: 1,951,683 مقترعاً، أي صوتاً. وإذا حسبنا نسبة أصوات التغيريين ال12 من عدد المقترعين اللبنانيين، تكون نسبة أصوات ال12 من مجمل أصوات الشعب اللبناني هي أقل من 4%... فكيف يمثل من نال 4% من أصوات الشعب اللبناني نبض وقرار الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني؟!

إن نواب كتلة التغيريين يأتون من معظم الطوائف اللبنانية ومن المحافظات اللبنانية الرئيسة والتاريخية الخمسة (وأقصد بالتاريخية، أي عند إنشاء لبنان الكبير منذ مئة عام ونيّف)، بيروت وجبل لبنان والشمال والجنوب والبقاع، ورغم ذلك يمثلون فقط 4% من أصوات الشعب اللبناني، أي أنهم بامتياز الأوليغارشية (أي حُكم الأقلية) في البرلمان لا الأكثرية! حتى أن اتهام علماء السياسة للنظام السوري بحُكم الأوليغارشية العلوي في سوريا، يُعد بسيطاً أمام أوليغارشية هؤلاء التغيريين اللبنانيين، حيث يمثل العلويون في سورية حوالي 11.5% من الشعب السوري، أي حوالي ثلاثة أضعاف مما يمثل التغيريون من أصوات الشعب اللبناني!

وعليه، فإن ادعاءاتهم بالتمثيل الشعبي الأكثري هو ادعاء باطل ويُسمى في علم السياسة "غوغائية" فارغة. كما أن صراخهم وتطاولاتهم وتهجماتهم على خصومهم بإسم أكثرية الشعب اللبناني يُسمى في علم السياسة "رعاعية" غاضبة وعنصرية بوجه وطن وشعب لم يعطيهم بأكثريته الساحقة ثقته!

فكفاكم رعاعية غوغائية لا تحترم عقول شعب متعلم وصابر وجبار، وكفاكم تدميراً للمؤسسات من دون إيجاد الحلول، فقط لإثبات أن خصومكم، ممثلي أكثرية الشعوب اللبنانية، فاشلون، لستر حقيقة أنكم الأقلية الهزيلة للتمثيل الشعبي... إن الأزمة الخانقة لا تحتمل غوغائيتكم المدمرة!

(*) بقلم رشيد جنبلاط