اجتماع باريس مهدّد وخلاف "المقايضة" يمدّد أزمة الرئاسة... "حزب الله" في المواجهة الأخيرة: فرنجية أو لا أحد!

20 آذار 2023 07:15:00

يختلف اجتماع باريس الثنائي حول الوضع اللبناني بين فرنسا والسعودية، عن لقاء الدول الخمس الذي انعقد في 6 شباط الماضي. لدى فرنسا أولويات تتعارض ولا تتوافق مع الثوابت السعودية حول الحل أو الوصول إلى تسوية انتخاب رئيس للجمهورية. الأولى تستعجل انجاز الاستحقاق الرئاسي عن طريق مسايرة الامر الواقع التي تفرض وفق مفهومها المقايضة تبعاً لموازين القوى القائمة، وأيضاً ترتبط بحسابات اقتصادية ومالية إضافة الى الدور والموقع، والثانية لديها اعتبارات سياسية محلية وإقليمية أُدرجت ضمن بنود الاتفاق السعودي – الإيراني الأخير، والذي ينعكس على ملفات المنطقة وبينها لبنان. لذا لم يكن مفاجئاً التباين بين موقفي الدولتين في الملف الرئاسي، وهو ما أدى إلى عدم التوصل الى تفاهمات يمكن أن تشكل خريطة طريق لطرحها على الاجتماع الجديد المرتقب للدول الخمس.

فشل اللقاء السعودي – الفرنسي سينعكس سلباً على الجهود الدولية لحل الأزمة اللبنانية. فالتباعد يهدّد اجتماع باريس الخماسي، وفق مصدر دبلوماسي متابع، علماً أنه كانت هناك رهانات على أن الاجتماع الثنائي يمهّد للقاء الدول الخمس، ويرجح ألا يُعقد في وقت قريب إلى حين استكشاف مفاعيل اتفاق بكين وما إذا كانت التوافقات تسمح بعرض موسع للملف الرئاسي والتسوية وطرح معالجة شاملة للأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان. ويتضح من نتائج اللقاء الثنائي، أن السعودية مصرّة على موقفها في الشأن اللبناني خصوصاً في ملف الرئاسة، انطلاقاً من بنود الوثيقة الخليجية الأولى، أي أن الرئاسة مرتبطة بجملة ملفات لبنانية واصلاحات، تبدأ بانتخاب رئيس انقاذي، وهو بالنسبة إليها لا ينطبق على سليمان فرنجية، وبالتالي لا يتقاطع موقفها مع المبادرة الفرنسية القائمة على المقايضة لتمرير الاستحقاق بأي ثمن. 

ويتبين وفق المصدر الدبلوماسي أن السعودية فوجئت بالطرح الفرنسي "المتسرع" والذي شكل نقطة الخلاف الرئيسية في الاجتماع، خصوصاً تبني باريس خيار مرشح "حزب الله" للرئاسة، في مقابل نواف سلام لرئاسة الحكومة، وهي مقايضة تقفز فوق المشكلات ولا تؤدي إلى منح صلاحيات استثنائية للحكومة في ظل اختلال موازين القوى الداخلية، والاهم أن الطرح الفرنسي يتناقض مع مبادرته السابقة للحل منذ 2020 التي انطلقت من تهديدات علنية للرئيس إيمانويل ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وأبرزها تشكيل حكومة مستقلة، لكن سرعان ما تراجعت عنها باريس وتغيرت أجندتها خصوصاً بعد الانقلاب الداخلي الذي كرسته الاستعصاءات اللبنانية في عهد ميشال عون.

ولعل ما يهدد الاجتماع الجديد لدول باريس بالانفراط، هو التباين أيضاً بين الاطراف الدولية الاخرى اي الولايات المتحدة الاميركية وقطر ومصر مع وجهة نظر فرنسا اللبنانية واصرارها على تبوؤ دور يتجاوز ما اتفق عليه من مقررات، ففضلاً عما تطمح له باريس من تثبيت موقعها وطموحها في ملفات النفط والغاز، تستعجل تكريس معادلة حتى لو كانت تصب في مصلحة قوى الممانعة التي تقودها إيران، وهي تريد تحقيق إنجاز يسبق أي صفقات يمكن أن تخرج إقليمياً ولبنانياً بعد الاتفاق السعودي- الإيراني، وهو أمر أظهر التباعد في وجهات النظر في اللقاء الثنائي، إذ كان يمكن وفق المصدر الدبلوماسي تقديم تنازلات من الطرفين وصوغ نقاط مشتركة، لكن الاصرار الفرنسي على الذهاب سريعاً بإنجاز معادلة المقايضة أنهى أي إمكان للاتفاق. ويعني ذلك أن الأزمة اللبنانية مرشحة لأن تطول، فيما اهتز الدور الفرنسي الذي كانت تجاهر باريس على أنه يتوافق مع حلفائها خصوصاً السعودية وأميركا. 

اللااتفاق الفرنسي السعودي، سيكون له تبعات لبنانية، بمزيد من الاستعصاءات. يقول الدبلوماسي أن "حزب الله" سيتمسك أكثر مع محوره بترشيح سليمان فرنجية، مراهناً أيضاً على تنازلات ستقدمها السعودية بعد اتفاق بكين، وتكرسها موازين القوى بعد الانفتاح على النظام السوري، وإن كان الحزب راهن على إمكان أن يُغير الفرنسيون من الموقف السعودي للدفع بانتخاب فرنجية رئيساً عبر تسوية عن طريق المقايضة. وقد كان موقف الحزب واضحاً  في هذا الخصوص عبر كلام النائب محمد رعد الجمعة الماضي من "أن "حزب الله" الذي تبنى ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مع حركة أمل يحضّر لإنجاز انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت. وأننا أصبحنا في المرحلة الأخيرة من المواجهة". ويجزم المصدر أن "حزب الله" سيسعى بعد فشل اللقاء الثنائي إلى محاولة تأمين الأصوات اللازمة لانتخاب فرنجية، حتى لو اقتضى الامر الضغط على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أو البحث في حصته الوازنة في الحكم المقبل، لتوفير النصاب اللازم. 

المعطيات السياسية الداخلية تشير إلى أن المعركة ستحتدم في المرحلة المقبلة لإيصال سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة، وإن كانت الامور غير متاحة وفق الآلية الدستورية، إن لجهة توفير النصاب أو انعقاد الجلسة التشريعية وتأمين الـ65 مطلوبة، لكن خيار "حزب الله" بات واضحاً، في ظل تفكك الجهة المقابلة المعارضة العاجزة عن طرح اسم توافقي تخاض المعركة على أساسه، أي بإيصال فرنجية أو استمرار الفراغ، ذلك أنه وفق المصدر، يمثل ضمانة سياسية له لمدة ست سنوات، فيما رئيس الحكومة يمكن أن يتغير مع اي تبدل لموازين القوى أو نقض لاتفاقات المقايضة، وهذه النقطة الأخيرة هي أحد اسباب رفض السعودية المقايضة بانتخاب فرنجية رئيساً.

لا يعني الخلاف السعودي الفرنسي أن باريس ستعلق مبادرتها أو تحركها في الشأن اللبناني، لكنها وفق المصدر لن تكون قادرة على تحقيق انجازات كبرى، حتى لو فرضت عقوبات على عدد من المسؤولين اللبنانيين كما لوحت بذلك مؤخراً ومن بينها تجميد أصول مالية في مصارف فرنسية، بهدف الضغط لانجاز الاستحقاقات. وبينما تواصل باريس محاولاتها لتخفيف الأعباء عن لبنان خصوصاً مع الجهود التي يقوم بها منسق المساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكان مع الأميركيين بعد زيارته الأخيرة لبيروت، إلا أن التقدم في الملف السياسي يحتاج إلى تغطية دولية أكبر، وهي رافعة معلقة على حل الخلافات التي تهدد اجتماع باريس الخماسي. وعلى هذا تغيرت الرهانات لبنانياً نحو الاتفاق السعودي- الإيراني، حيث تضغط قوى الممانعة أكثر انطلاقاً من اعتبارها أن الاتفاق يصب في مصلحتها أولاً وأخيراً. لذا سنكون أمام مرحلة أخرى من الفراع ستطول يراهن "حزب الله" من خلالها على تقديم السعودية تنازلات ستضطر القوى اللبنانية المعارضة للحاق بها وسيكون الوقت كفيلاً باستسلامهم كون الخيار هو فرنجية أو لا أحد، أقله في عدم وجود شخصية أخرى ممانعة ضامنة لـ"المقاومة".