كهرباء الدولة: الحلم المستحيل!

19 آذار 2023 07:39:21

على ما يبدو، تبدّد حلم اللبنانيين بالتنعّم بكهرباء الدولة والتخلّص من استبداد جمهوريّة المولّدات الخاصة، على وقع الإرتفاع الدراماتيكي للدولار، متبوعا بارتفاع سعر منصة "صيرفة"، وزيادة 20% إضافية، ما يعني أنّ الفاتورة ستتصاعد تدريجيا.

واقع لفظه المواطن المثقل بأعباء كثيرة، فالدولرة طالت كلّ احتياجته الأساسيّة، ولم يعد بمقدوره تحمّل المزيد، ما دفع بمعظم الناس اليوم إمّا إلى اتخاذ قرار تجميد عدّادات مؤسسة "كهرباء لبنان"، أوالتخلّي عن هذه الخدمة نهائيا نتيجة ارتفاع كلفتها.

اعتبارات المواطن في هذا التخلّي كثيرة، منها أنّه سيدفع تعرفة إشتراك مرتفعة باستمرار حتى من دون أن يستهلك الكهرباء، علاوة على أنّ الزيادة الطفيفة في ساعات الكهرباء لم تشمل كلّ المناطق كما الفاتورة التي ترتفع تدريجيا لتقترب من فاتورة المولّد الخاص، والذي يعتبر منظّما في توزيع ساعات التغذية، فيما التوزيع العشوائي لكهرباء الدولة لا ينفع المواطن، حتى لو كان بهدف المساواة بين المناطق.

نفور المواطن هذا حصل، رغم وعود مؤسسة "كهرباء لبنان"، التي باشرت بالتنسيق مع القوى الأمنية نزع التعديات عن الشبكة مع مطلع الشهر الحالي، واعدة بتوزيع التيار الكهربائي بشكل عادل، وأنّ تقوم بزيادة ساعات التغذية حصراً على المخارج المنزوعة التعدّيات.

في هذه الحالة، أصبح لزاما السؤال حول مسار ومصير خطة الكهرباء التي يعتمد نجاحها على الجباية، فيما المواطن لن يوفر لها هذا العامل بالنظر لظروفه المعيشية من جهة، وعودة التعديات من جهة أخرى، كما كان يحصل دوما.

يعتبر مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه الدكتور غسان بيضون، في حديثه لـ"الديار"، أنّنا شهدنا زيادة في ساعات التغذية عن الصفر وهي غير كافية، مقارنة بما وعدت به الخطة التي ربطت رفع التعرفة بزيادة التغذية من 8 إلى عشر ساعات يوميا، والذي سيمكّن المشترك من الإستغناء عن المولدات، بينما اليوم تراجعت المؤسسة في وعودها رغم وصول التغذية هذا الشهر إلى 3 أو 4 ساعات في بعض المناطق فقط، وسط تهديدات بأنّها ستحجب عن المناطق التي لن تدفع وهذا ظلم، لافتا إلى أنّ هناك أكثر من معيار للحكم على منفعة التغذية وفائدتها، منها استقرارها وانتظامها والإعلان عنها مسبقا وتوفرها خلال النهار وليس الليل، وهذا ليس متوفرا، لذا لا يمكن الإعتبار أنّنا دخلنا في خطة ناجحة.

وحول الإشكالات والمخاوف المثارة اليوم بسبب ارتفاع دولار المنصة والسوق السوداء، يؤكّد بيضون استمرار فاتورة المواطن بالإرتفاع مع زيادة سعر "صيرفة" و الـ 20% ، وستبلغ -حتى من دون استهلاك- مئات آلاف الليرات، واصفا بأنّ التعرفة مستبدة وغير عادلة واعتباطية، وغايتها جمع الأموال من " الأوادم" فقط.

لكن ماذا عن البدء برفع التعدّيات وهو أحد الشروط الأساسيّة لنجاح الخطة؟ يصف بيضون رفع التعديات بالمسرحية السخيفة وغير الجدية، وشبه المستحيلة في لبنان، لأنّ الرادع الأخلاقي يسقط عند الحاجة المادية، كما أنّ الناس عاجزة عن تأمين مستلزمات حياتها، وبالتالي عن الدفع، لافتا إلى أنّه في الوقت الذي تزيد فيه قيمة فاتورة كهرباء الدولة، تزيد فاتورة المولد الخاص مع ارتفاع أسعار المازوت والدولار، مؤكدا أنّ الخطة لن تنجح، وأنّ الوزير "كتير مبسّط الأمور".

بيضون استند في توقعه على أنّ المؤسسة لن تتمكن من تسديد السلفة، لأنّها لن تتمكن من الجباية، والدليل بدء بعض المواطنين بتجميد عداداتهم واشتراكاتهم، فيما هناك كثيرون يعتمدون الطاقة الشمسية، والمولد الخاص عند الحاجة، فالدولة والمؤسسة والحكومة تأخروا كثيرا، وتدابير وزيرالطاقة سطحية، واصفا التعرفة والضريبة بـ"الخوّة"، لتأمين مردود ثابت للمؤسسة، يغطي الهدر فيها، ولا يهتمون إنّ استمرّت أو توقفت التغذية، لأنّ الفاتورة ستستمر بالصدور، بمردود بمئات آلاف الليرات. 

وختم بأنّ هدف "الهمروجة والضجيج والمسرحيات والدعاية والمقدمات" التي سبقت الإعلان عن التعرفة، هو إقناع الناس أنّ هناك شيئا جديا سيحصل ولكن لم يحصل، والمؤسسة لن تتمكن من الجباية ومن استبدال ليراتها بدولارات، ومصرف لبنان أبلغها أنه لن يعطيها دولارات على السعر الذي تريده لانها تأخرت كثيرا، فالخطة ومن ضمنها التعرفة بدأت في حزيران 2022 ،تنفيذا لخطة النهوض المستدام بالطاقة التي أقرت في آذار من نفس العام، ما يعني أنّ العمل كان بطيئا جدا و شبه معدوم، وأن من يتصرف ويقرّر لا يعرف الواقع ولا يريد أن يعترف به.

هل الخطة قابلة للحياة إقتصاديا؟

الخطة ليست قابلة للإستمرار ولن تنجح في وعودها، وفق ما يشير لـ"الديار"، الخبير الإقتصادي باتريك مارديني، شارحا ما حصل، و هو أنّ الوزير طلب من الحكومة مبلغ 300 مليون دولار من حقوق السحب الخاص " إي أم أف"، لشراء الفيول بعنوان رأس مال تشغيلي، وأنّ شراء الفيول الجديد سيتم من إيرادات المؤسسة، مما يلغي الحاجة لأخذ سلف خزينة في المستقبل، ولكن هذا الأمر لم يحصل، وأردف:"هذه كانت كذبة فالكهرباء لا زالت تباع بخسارة، ولن يستطيع أن يجبي الوزير بشكل كاف وسنصل بعد 6 شهور إلى وضع سيقول فيه إن 300 مليون دولار خلصوا وليس لدي مداخيل كافية لأشتري فيول وأريد سلفة إضافية أو سأخفض ساعات التغذية ليردّنا مثل الساعات السابقة قبل السلفة 300 مليون دولار ونكون بذلك حرقنا 300 مليون دولار على الفاضي" .

أيّ عبء إقتصادي ينتظر المواطن على هذا الصعيد؟

برأي مارديني يدفع المواطن اللبناني فاتورة الكهرباء على سعر السوق السوداء، وكلّما ارتفع دولار السوق السوداء كلما ارتفعت الفاتورة عليه، خاصة إذا كان دخله بالليرة اللبنانية، علما أنّ تسعير الكهرباء بالدولار لا مفرّ منه لأننا نشتري الفيول بالدولار، ولكن ما ليس مقبولا هو الكلفة المرتفعة لإنتاج الكهرباء في المعامل، ويجب عمل إصلاحات هيكلية داخل المؤسسة لتنتج كهرباء بسعر أوفر، وليس عن طريق المزيد من الإستثمارات التي فشلت سابقا، بل بإطلاق مشاريع مزارع الطاقة الشمسية من خلال البلديات وليس من خلال الوزارة أو المؤسسة، ما سيخفض الفاتورة على المواطن بشكل كبير جدا وقد تصل كلفة الكيلوواط ساعة إلى 7 أو 8 سنت فيما يدفع للمولد الخاص 50 سنتا والدولة تبدأ بـ 10 سنت ثم 27 سنتا، وهي تعرفة لا تكفي لتغطية الكلفة التي لا نزال ندفعها من أموال المودعين.

يتابع مارديني واصفا الخطة بالفاشلة جدا، وأنّها ولن تنجح في اعطاء المردود الذي تتوخاه والسبب هو أنها تعتمد على الحلول القديمة التي أثبتت فشلها أي الجباية من الناس بالقوة ومساعدة القوى الأمنية، و"العالم ما معها تدفع، وأصلا مش هيك بصير الشغل"، وختم أنّه طالما أن مؤسسة كهرباء لبنان تنفذ خطة وزارة الطاقة فإنّها ستستمر بالفشل ولن تنهض، إلّا بمجلس إدارة مستقل وليس مستقيلا، وهيئة ناظمة للقطاع مستقلة عن الوزير، معتبرا أنّه طالما كل الصلاحيات بيد الوزارة فإنّ المؤسسة لن تنهض.

خلاصة القول.. جرت رياح وزارة الطاقة بما لا تشتهي سفن المواطن، المثقلة بأعباء تغرقه تدريجيا نحو القاع، وبعد أن كان متلهفا للحصول على كهرباء الدولة علّها تخفف عنه استبداد المولدات الخاصة، أصبح اليوم يهرب منها إلى الأمام، كما حال سياسة أغلب الوزارات لمواجهة هذه الأزمة للأسف!