لا جديد في لقاء باريس.. الدولار على جنونه والمصارف تواصل الإضراب

19 آذار 2023 06:05:15 - آخر تحديث: 19 آذار 2023 06:07:07

يوماً بعد يوم يغوص لبنان أكثر في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث مع التحليق الجنوني للدولار الذي تجاوز يوم أمس عتبة المئة واحدى عشر الف ليرة لبنانية ما عكسَ ارتفاعاً مخيفاً على أسعار المحروقات والمواد الغذائية التي أضحت أسعارها خيالية، ولم تعد بمتناول الغالبية من اللّبنانيين. 

في هذه الأثناء، لا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها، والرهان على لقاء باريس مع الموفدين السعوديين لم يكن في مكانه، فالاجتماع انتهى من دون اتفاق ومن دون تحديد موعد جديد للقاء ثنائي أو للقاء الخماسي.

وأعربت مصادر متابعة للقاء الذي عقد بين مستشار الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل ومستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري لجريدة "الأنباء" الالكترونية أن المجتمعين لم يدخلوا في الأسماء أو في تزكية أحد من المرشحين المعلنين، بل إنَّ نقاشاتهم تركزت على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والاتفاق على سلة متكاملة تبدأ باختيار رئيس جمهورية لا ينتمي لأي جهة سياسية ويحظى بثقة معظم القوى ويكون مقبول عربياً ودولياً يعيد الثقة بلبنان ويملك رؤية اقتصادية تساعده على إنقاذ الوضع الاقتصادي المنهار.

محلياً، برزت دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي النواب المسيحيين الى الصلاة والرياضة الروحية يوم الأربعاء في حريصا. وفي الوقت الذي بدأت فيه القوى السياسية تعلن عن استعدادها لتلبية دعوة الراعي، لم يتضح بعد موقف كلاً من كتلتي الجمهورية القوية ولبنان القوي في حين أكدت مصادرهما لجريدة "الأنباء" الالكترونية المشاركة وتلبية نداء الراعي، إلّا أن لا موقف رسمي حتّى الساعة تجاه هذه الدعوة.

عضو كتلة الكتائب النائب الياس حنكش أكد في حديث لجريدة "الأنباء" الالكترونية تلبية الكتائب دعوة الراعي انطلاقاً من مبدأ عدم رفض أي دعوة لبكركي وخاصةً إذا كانت تتعلّق بالإستحقاق الرئاسي، مشيراً إلى فصلٍ جديد يمرّ به لبنان والمنطقة بعد الاتفاق السعودي الايراني، خصوصاً بالنسبة للفريق الذي يربط مصيره بإيران، فيما نصرّ أن يكون هذا الاستحقاق لبناني لبناني. 
ورأى حنكش أن لدينا مبادىء ومواصفات لرئيس الجمهورية مختلفة كلياً عن نظرة الآخرين، إذ إنَّ هذا الموقف لا يتغيّر مع أي حدث خارجي وأي اتفاق يحصل في المنطقة. 

حنكش لفتَ إلى أن الكتائب منفتحة على كافة القوى السياسية، مذكّراً "لقد التقينا في اليومين الأخيرين النائب أحمد الخير عن كتلة الاعتدال الوطني والنائب غسان سكاف عن النواب المستقلين، ونقوم بمروحة اتصالات لخرق هذا المشهد وتقريب وجهات النظر لخلق واقع جديد بين القوى السياسية". 

وفي تعليقه على دعوة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم للحوار والذهاب الى المنافسة الديمقراطية في حال عدم الاتفاق، سأل حنكش: "لماذا لا يكون هذا الحوار داخل حرم مجلس النواب؟"، لافتاً إلى أنَّ "لدينا مرشحنا والفريق الآخر له مرشحه، إذاً فلنذهب الى التصويت وليفز مَن يفز"، كاشفاً عن مقاربة مغايرة مع النائب ميشال معوّض للوصول الى حل، واصفاً معوّض بالرجل العاقل الذي يعي ما يريد، فهو يأخذ المعركة بصدره.

وفي سياقٍ منفصل، ومع استمرار إضراب المصارف وتداعياته الكارثية، كشف الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نسيب غبريل أن لا شيء تغيّر كي تُعلّق المصارف إضرابها، لافتاً في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية الى تسيير أمور الناس والشركات كالمعتاد عبر ماكينات الصرف الآلي ATM، متحدثاً عن بوادر حلحلة في موضوع الاضراب لم تصل الى نتيجة على ما يبدو. 

وإذ أكّد غبريل رفضه مبدأ الاضرابات لأن إضراب القطاع العام أثّر سلباً على موارد الخزينة، وكذلك اضراب اساتذة التعليم الرسمي والخاص إذ إنه كاد يهدّد العام الدراسي، كما وإضراب أوجيرو بالإضافة إلى إضراب الاتحاد العمالي العام ومن ضمنها إضراب المصارف لأنه يعرقل الحركة الاقتصادية لكن المؤسف ليس هناك من بوادر حلحلة لمطالب المصارف ما قد يؤدي الى إطالة أمد الإضراب. 

وبالنسبة للإرتفاع الجنوني للدولار، أشارَ غبريل الى عدم تغيّر الوضع الاقتصادي منذ بداية السنة وبذلك فالأمور على حالها، ورأى أن ارتفاع الدولار ليس تقنياً، لكنّه يخضع لعوامل أخرى لها علاقة بالسوق الموازي، فمنذ بداية الأزمة في 2019 كان هناك شح في السيولة جرّاء عدم تدفق رؤوس الاموال الى المصارف، علماً أنَّ هذا السوق يحركه المضاربون، والتعاطي المالي غير المقونن كما الطلب على الدولار من خارج الحدود، سائلاً هل ما يجري هو ضغط سياسي لتغيير شيء ما، كالضغط على استقالة حاكم مصرف لبنان أو فرض رئيس جمهورية جديد؟ مشبهاً ما يحصل اليوم بالأزمة التي أدت الى استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي سنة 1992.

غبريل قدّرَ إجمالي الهدر من المال العام بـ90 مليار دولار، مؤكداً أننا بحاجة الى ثقافة محاسبة ومساءلة، وضرورة محاسبة المسؤولين عن الأزمة من بداية الأزمة وفي كل المراحل، قائءلاً: "لم أسمع احداً ينادي باستقلالية القضاء"، متسائلاً في الختام على من تقع المسؤولية عن العشوائية بين عامي 2014 و 2018، مطالباً بإخضاع الجميع لقانون المحاسبة والمساءلة، وان لم يحصل ذلك فلن يكون هناك اصلاح في البلد.

وسط كل هذه المراوحة وتداعي القطاعات، يعيش اللبناني واحدة من أصعب أيامه وبقلق دائم على المستقبل وما سيحمله من تداعيات على كافة المستويات.