Advertise here

هل تعود "النافعة" للعمل في غضون أيام؟

16 آذار 2023 19:44:47

لم يعد ملف الفساد حكراً على إدارة عامة بل بات ظاهرة تتمدّد في كل المرافق حتى تشلّ عملها وتعطّل نشاطها.

من الدوائر العقارية الى ملف النافعة القاسم المشترك واحد: فساد مستشرٍ منذ أعوام، ومرتكبون استفادوا ونعموا بالأموال والمراكز، فيما المواطن دفع الثمن مرتين: مرة في تأخير معاملاته إن لم يكن من أصحاب الحظوة أو ممّن دفع الأموال لتسيير أوراقه، ومرة حين تعطلّ العمل بالكامل في المرفق وتوقف.

هذه الصورة هي الواقع فعلياً عما يجري في النافعة. منذ أشهر، تمّ توقيف أكثرية المديرين ورؤساء المصالح والمستخدمين ومعقّبي المعاملات وحتى عدد من الأطباء، فماذا يحصل فعلياً في هذا المرفق؟ وما مدى انعكاسه على المواطن؟

احتياط وتعاقد
قبل نحو شهرين، فتح ملف أمن الدولة بإشارة المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب التي أحالته الى شعبة المعلومات للتوسّع بالتحقيق، حتى تجاوز عدد الموقوفين المئة، من بينهم رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم ورئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور ورؤساء مصالح وموظفون وسماسرة وأطبّاء.

التحقيق "المبكّل" توصّل الى توقيف غالبية المستخدمين في مراكز الدكوانة وجونيه والأوزاعي، وتمّت مصادرة المليارات وبعض الهدايا، الى أن تحوّلت المراكز شبه فارغة من الموظفين والعمل، فأيّ حال رست عليها هذه المراكز اليوم؟

رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النائب سجيع عطية يتابع الملف، من موقعه النيابي يعلق: "لا بدّ للقضاء من التعجيل في بتّ قراراته، لئلّا تتأثر شؤون المواطنين، وليحاسب كل مرتكب على فعله".

ويشرح لـ"النهار" أن "العمل جارٍ حالياً، على عدّة محاور، مع الوزارات المعنيّة لحلحلة بعض الأمور. أولاً، تأمين موظفين من احتياط الجيش وقوى الأمن الداخلي، من دون أن يتطلب هذا الأمر اجتماع مجلس الوزراء، إذ يكون الأمر نوعاً من تعاقد مع هؤلاء. ثانياً، اعتماد تمديد المهل لدفاتر رخص السوق، وإعطاء دفاتر سوق يدوية. هذه هي الأمور المستعجلة جداً والتي نحاول تذليلها قريباً، لكونها مرتبطة ارتباطاً مباشراً بشؤون المواطنين".

قضائياً، مرّ ملف النافعة ببعض التحولات، نزولاً وصعوداً، إذ شهدت القضية بعض إخلاءات السبيل من جانب قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان نقولا منصور، قبل أن يعلن الأخير تنحّيه عن الملف.

وربما تعبير "مغارة النافعة" يدلّ على مدى تجذّر الفساد في ذاك المرفق منذ أعوام وأعوام، حتى بات "انتشاله" يتطلب "قبع" الجميع، إذ تبيّن أن أعداد المتورطين بقبض رشى وتزوير دفاتر سوق وتسجيل سيارات ودراجات نارية فاق التوقعات، حتى إن المسألة طالت أيضاً أطباء ومخاتير.

وبدون شك، إن القضية يمكن أن تحيلنا على ملفات أخرى في إدارات ومرافق كثيرة، إذ لطالما كانت شبكات الفساد في لبنان مترابطة ومتشابكة.

لكن ما واقع المرفق اليوم إدارياً وما مدى انعكاس هذا الأمر على معاملات المواطنين؟
يلفت عطية الى أن "عملنا الحالي ينصبّ على معاودة العمل الى المراكز ونتوقع ذلك في غضون أسبوع أو عشرة أيام".

ومن المعلوم أن من أُخلي سبيلهم من الموظفين أو المستخدمين لا يمكنهم العودة الى العمل التزاماً بما نصّت عليه قرارات إخلاء السبيل، ما دام الملف مفتوحاً قضائياً. وكل هذه العوامل يمكن أن تؤثر سلباً على سير العمل. من هنا، أتت فكرة الاحتياط والتعاقد كحل بديل، ولا سيما أنه لا يمكن الاستعانة بموظفين من إدارات أخرى لتغطية النقص من دون أن تصدر قرارات بذلك من مجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية، قبل ان يأتي الحل بالاستعانة بعناصر في الجيش والقوى الامنية لتشغيل المرفق موقتا.

تعطيل ومستحقات
لا يقتصر ملف النافعة على الجانب القضائي فقط، بل ثمة شق مالي يتعلق بالإضراب الذي بدأته رابطة موظفي النافعة، منذ أوائل شهر شباط الفائت، بسبب المطالب والمستحقات المالية المتراكمة.

في البدء، ظهرت مشكلة عدم وجود مراقب لعقد النفقات، وبعدما حُلّت المشكلة، سرت معلومات عن أن المحاسب في هيئة إدارة السير توارى عن الأنظار بسبب استدعائه الى التحقيق، فأضيفت مشكلة أخرى لأن المستخدمين لم يحصلوا على مستحقاتهم منذ نحو خمسة أشهر.

يرى عطية أن "هذه المسألة متوقفة عند وزارة المال، ونحن كلجنة نصرّ على معالجتها سريعاً، ونبذل جهوداً مع المعنيين بين وزارتي الداخلية والمال لدفع المستحقات قريباً".

وما يزيد الطين بلّة، أن لا موازنة لهيئة إدارة السير، وبالطبع، لا يمكن اللجوء حالياً الى إعطائها سلفاً من مجلس الوزراء، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول إمكان استمرار العمل في مراكز النافعة.

حتى اللحظة، المعاملات شبه متوقفة، وإن كانت ثمّة مساعٍ تبذل بين وزارة الداخلية ومحافظ بيروت القاضي مروان عبود كرئيس مكلف لهيئة إدارة السير بهدف وضع خطة جديدة لإعادة العمل وضمان استمراريته، وفق المحاور التي كشفها عطية.

وحتى إشعار آخر، ستواجه كل إدارة عامة، عاثت في الأرض فساداً، مصير إدارة النافعة: شللاً وتعطيلاً... حتى يقول القضاء كلمته العادلة.

(*) الكاتبة: منال شعيا