في ذلك اليوم المشؤوم اغتيلَ الفكر والكمال وتفككت أصول الدولة، يوم هُدم لبنان وسُلِبت السيادة، وبسطت الأنظمة المُجرمة سيطرتها لتحقيق أهداف سياسية خبيثة.
كمال جنبلاط بما يمثّلهُ من مكانة وطنية وعربية ودولية، شكّلَ آنذاك عائقاً أمام تحقيق هذه الأهداف الشريرة، هو الفكر السياسي المتفرّد والعقلية المُتشبثة بالوطن، حورِبَ بقوّة واغتيل على يدٍ تآمرت على وطنه، رافضاً الانصياع لجبروتها الزائف.
كان المُعلم الشهيد من أشدّ المحاربين والمدافعين عن مشروع الغاء الطائفية السياسية في لبنان، حفاظاً على وحدته ووطنيته، ونعود الى أحد أقواله: "إن لبنان الخالي من الطائفية، العلماني التقدمي هو الوحيد القادر على البقاء، أما لبنان الطائفي فمحكوم عليه بالموت"، سعى دائماً وأبداً الى تثبيت روح الوطنية، لبنان واحد جامع لكلّ ابنائه ايماناً منه بشرعة "المواطن الحرّ، والشعب السعيد"، والتي أعلنها في ميثاق الحزب التقدمي الاشتراكي في الأول من أيار 1949.
لكَم حذّر كمال جنبلاط من تبعات الطائفية السياسية، والنعرات الطائفية، باعتبار ان الطائفية بذاتها مؤامرة، لا بل أخطر مؤامرة على لبنان الأم، وكَم دعا المُعلم الى التلاقي وعدم الخضوع لنماذج الحقد والتعصّب والأحادية، للحدّ من تأثير الطائفية السياسية، وتبعاتها اللامتناهية.
أما حانَ الوقت لإعادة إحياء نهج وفكر كمال جنبلاط في ظلّ واقعنا المرير، علَّ مَن يُجاهر بطائفيته ويعتنق الاسلوب الخطابي الطائفي، يعي يوماً أنَّ “على الذين يريدون أن يكونوا زعماء سياسيين أن يبنوا الزعامة في شخصياتهم أولاً”.
كمال جنبلاط الحاضر في شعارات المطالِبين بـ"هدم جدران الطوائف"، وإعادة إنتاج السلطة على أساس قانونٍ انتخابي نسبي خارج القيد الطائفي، ولبنان دائرة انتخابية واحدة.
لقد دفع القائد النضالي الكبير الى ضرورة المضي بمسيرة الاصلاح السياسي، ووَضَع برنامجاً لتكييف المناخ الوطني القائم على أساس الحوار.
فكرُ المعلم المنحاز دائماً إلى قضية الإنسان والحق والعدالة، القضية التي ناضل من أجلها دائماً، منادياً بالمساواة بين المواطنين كافة، فكان "أبا المساكين".
واليوم في الذكرى الـ46، أمام لبنان تحدٍّ أساسي في ترسيخ مفهوم الوطنية، وهو الاستحقاق الرئاسي المُرتقب، في وقتٍ يعمدُ البعض إلى تأجيج النعرات والفتن، بحجّة تغليب حقوق طائفة على أُخرى، فحبذا لو يعود المعنيون في هذا الاستحقاق الى مبادئ كمال جنبلاط وبرنامجه الإصلاحي، فيُبصرُ النور قريباً لانقاذ لبنان من "جهنّم".
المُعلم الشهيد كمال جنبلاط، وفي ذكرى استشهاده، نستذكر قولاً من أقواله يصلحُ لكلّ زمان: "إن الحرب ما كانت لتشتعل، لو سُمح للبنانيين، ان يعالجوا مشاكلهم، ويعيدوا النظر في أوضاعهم".