مرة جديدة تعود ذكرى استشهاد المعلم كمال جنبلاط في مرحلة عصيبة وبالغة الخطورة على لبنان، لتجدد الدعوة للعودة إلى الأصول والجذور التقدمية – الإشتراكية التي أرسى دعائمها الراسخة كمال جنبلاط، وهي دعوة لعودة لا تحتمل ترف المساومة ولا الجدل العقيم، باعتبار انها قد أصبحت حاجة ملحة لا بديل عنها لوقف حالة النزيف والتدهور بعد استفحال ازمة لبنان على كل المستويات، وتمادي فشل وتخبط حراك المجتمع المدني في 17 تشرين الذي لم يرتق يوما الى حدود الثورة الحقيقية بعد ان انهكته الوصوليات وغياب الرؤية والبرنامج والقيادة التقدمية الواعية والرشيدة.
فما يجري في لبنان من خراب وتردي غير مسبوق، بات يستدعي العودة غير المشروطة الى ثورة كمال جنبلاط التقدمية الانسانية الواقعية والحقيقية على قاعدة إنها لا تزال صالحة ووحدها القادرة على العبور بلبنان وشعبه من مستنقع النظام الطائفي المتخلف الى رحاب النظام العلماني الانساني الذي تتحقق في ظله المواطنة الحرة والواعية، والعدالة الاجتماعة والمساواة، والتقدم المستدام والازدهار... وهي الثورة التي نادى بها المعلم كمال جنبلاط، ووناضل من اجل قيمها ومبادئها طيلة مسيرته الناصعة ولم يبدل تبديلا حتى رمق الاستشهاد، بعد ان رفض وبارادة حرة واعية الخضوع للسجن العربي الكبير مؤمنا بأن الاستشهاد والتضحية في سبيل ثورة الانسان هي الطريق الصحيح لابقاء جذوة الثورة حاضرة عابقة لا تنقطع في نفوس الاجيال على مر الزمان.
ومع تجاوز رمزية الذكرى بـ 16 آذار بابعادها الاستشهادية والنضالية والتاريخية المشرقة في مسيرة كمال جنبلاط، تزداد الحاجة الملحة لاستحضار تجربة كمال جنبلاط لإستكمالها ومتابعتها بشكل حثيث ومسؤول لأنها تهدف إلى إيجاد لبنان الوطن الحقيقي الموحد القائم على مفهوم المواطنية، لبنان المرتكز إلى العروبة، وبناء ثقافة الاتجاه الإنساني كسبيل وحيد يحمي هذا الوطن بتعدده وتنوعه ويؤدي إلى تطوره وتعزيز استقراره.وهذا الامر يتطلب منا اليوم الإلتزام بأقصى درجات التضامن بالثوابت السياسية التي سار عليها المعلم من خلال مسيرته منذ تاسيس الحزب التقدمي الإشتراكي المتمسك اليوم بقيادة وليد جنبلاط ومع تيمور جنبلاط بثوابت المعلم، وبعروبة لبنان كعمق ضروري وثابت لحماية الخصوصية اللبنانية، هذا بالاضافة إلى الإلتزام بإتفاق الطائف واستكمال تطبيق كافة بنوده الإصلاحية بعيداً عن الانتقائية والمصالح السياسية، عوض الذهاب نحو التقوقع والإنغلاق وإنتاج أشكال جديدة من الانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية الفئوية التي لا تجلب الى لبنان سوى المغامرات العبثية والجهنمية.
وبعيدا أيضا عن رمزية ذكرى 16 آذار وفي ظل كل التحديات والصعاب المعيشية والإجتماعية والإقتصادية يتجدد بالممارسة اليومية التزام الحزب التقدمي الاشتراكي الفعلي والحقيقي بخيارات ونهحج المعلم على الصعيد الاجتماعي والإقتصادي والعمل المؤسساتي الذي يضع مصلحة الانسان وخدمته فوق كل اعتبار، و بالإنحياز المطلق إلى مسار الاصلاح الحقيقي ومكافحة الفساد وحماية حقوق الناس على اطلاقها، ورفع قضايا العمال والفقراء، والنضال المستمر من اجل العدالة الاجتماعية والتمسك بالبعد الاجتماعي والاقتصادي للديمقراطية، وبحق كل مواطن لبناني في العلم والتطور.
وهذه الخيارات الثابتة في مسيرة الحزب التقدمي الاشتراكي ستبقى حاضرة وتتجدد مع كل ذكرى لاستشهاد كمال جنبلاط الذي أفشل مخطط اغتياله بعد أن أرسى قواعد استمرار النضال التقدمي الاشتراكي مع الحزب الذي أسسسه ليحمل من بعده راية النضال من اجل الحرية والتقدم وإقامة نظام ديمقراطي عصري في لبنان الذي لا خلاص له للخروج من دوامة الأزمات المتكررة، الا بتبني المشروع التقدمي الانساني الذي اطلقه كمال جنبلاط كسبيل لتحطيم أغلال الطائفية والمذهبية البغيضة التي كانت وستبقى تتعارض قيم المواطنة الصحيحة وتعيق قيام الدولة الحديثة العادلة التي تليق بتطلعت شعب لبنان وحريته وكرامته الانسانية.