في ذكرى استشهاده تتكرّر عملية استحضار الاسترشاد والتجديد والتجدّد في فكر الشهيد كمال جنبلاط القائم على التقدّم، وتجاوز الحتميات السلبية الحادة، والتبشير بالجبريات القانونية، كونه احتكم إلى الجدل في اكتشافاته وتحليلاته ورؤيته، ومن موقعه الثائر والحالم، والتي تجسدت في شخصيته التي تبدو متناقضة في الظاهر بينما هي مترابطة في الجوهر وهو الذي تميّز بانسجام المتناقضات، لا سيّما بين الإيمان الديني والعلمانية، وبين الخصوصية اللبنانية، والعروبة، والوحدة تحت سقفية الحرية، ومارس التوفيق بين النظرية والتطبيق، ولم تغِب عنه الثورة والتغيير لحظةً واحدة.
ومن قلب النظام نفسه كان معارضاً شرساً، كعناده في الدفاع عن مفهومه حول بناء الدولة المدنية العادلة.
فلسفته الإنسانية كانت تخلق لديه القلق الدائم بين الواقع والمنشود، مجبولةً بالحلم الصعب في إمكانية تحقيق التوفيق بين الثقافات على قاعدة التنوّع ضمن الوحدة الذي ربطها في ضرورة الحرية.
وهو الذي ضحّى بنفسه من أجل شعبه بمواقف صلبة تميل إلى الإرادة المرتبطة بالإيمان متجاوزاً الواقع، وهو الذي كان طامحاً في تحقيق البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية.
وإذا أردنا مراجعته ترى نفسك، بالرغم من التعقيدات الفلسفية تصعب معها الإحاطة بكل تراثه كأنّك تقرأ مقالةً، أو تحليلاً يومياً في الاستشراف، وفي تبيان حقيقة الكون والتاريخ.
إنّ السبب الأساسي لاغتياله كان مفهومه للبنان القائم على التنوّع، والتعدّد، والعروبة المتساوية والمتمحورة حول القضية الفلسطينية، والوساطة الحضارية لدور لبنان في التسامح الديني والتعدّد وليس بلد التعايش الديني المرتبط بالتعصّب والحقد وتحوّل الأديان إلى أحزابٍ طائفية.
لبنان بلد التنوّع والتناقض والتفاعل.
لذلك ونحن ننهل من فكره، وبحاجة يومية لدفقه في تصويب مفهوم الصراع الذي يحكمه الحوار، نحن بحاجة لحوار الحياة الذي يجعل الاختلاف والتناقض محكوماً بتسويةٍ عقلانية منسجمة تكرّس التنوّع بعيداً عن الصراع التناحري الذي يلغي الآخر.
لم يمت يوماً كمال جنبلاط. بقي حياً في شعبه وحزبه وتراثه وإرثه، ويشكّل مرجعاً لمعالجة كل المعضلات التي يواجهها الشعب والوطن والتصدي لكل الاستحقاقات من خلال البصيرة المتوقّدة بانفتاحٍ واعتدال في ترجمة الموقف السياسي وبقوة تظهيره الشعبي، وما للنخب الثقافية والعلمية على مدى سيرته التي تعبّر عن مخزونه ببعده الإنساني والوطني والعروبي.
* رئيس الحركة اليسارية اللبنانية