Advertise here

"التيار" بين خيمتَي 8 و14 آذار... و"الكتاب البرتقالي"

14 آذار 2023 08:15:19

كانت ساحة الشهداء عشية اللحظة التاريخية في 14 آذار 2005، بعد أيام قليلة على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تشبه شباب التيار الوطني الحر ونضالهم طوال سنوات في ظل الوصاية السورية وكل الممارسات التي تعرّضوا لها في تلك الحقبة. فكانوا من صلب انتفاضة الاستقلال التي كانت المحطة الأساسية لعودة الجنرال من منفاه الباريسي، كما خروج سمير جعجع من السجن.

إقامة خيمة "التيار" لم تطل في ساحة 14 آذار، وبعد أقلّ من عام كان العماد ميشال عون قد "نقل البارودة"، ومدّ يده الى أخصام الأمس، عاقداً في 6 شباط 2006 حلفاً سياسياً مع حزب الله، قاده بعد عقد من الزمن الى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية.
التحالف الجديد وضع "التيار" أمام تحدٍّ إيديولوجي وعقائدي كبير، فالعبور كان كاملاً من ضفة الى أخرى نقيضة، وستثبت السنوات القادمة أنها كانت مغامرة سياسية حققت مكاسب مصلحية طبعاً، لكنها كانت حقبة منفصمة عن المسار السياسي والمبادئ التي حرص بنفسه على جمعها ونشرها في "الكتاب البرتقالي"، بدءاً من قيام دولة كاملة السيادة وصولاً الى مكافحة الفساد في إدارات ونهج هذه الدولة.

فالتيار المؤسس لانتفاضة الاستقلال، وجد نفسه بعد أشهر ينصب الخيمة نفسها في المقلب المقابل في ساحة رياض الصلح، في اعتصام قوى الثامن من آذار الشهير، مشاركاً أساسياً في معركة إسقاط حكومة فؤاد السنيورة في الشارع بعدما اعتبرها هذا الفريق غير شرعية، مع العلم أنه كان رافضاً لإسقاط إميل لحود في الشارع، بحجة الميثاقية وما يمثّله موقع رئاسة الجمهورية، الأمر الذي لم يكترث له في معركة إسقاط السنيورة ولا لاحقاً في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري حين كان في زيارة رسمية في البيت الأبيض.

عاش "التيار" طيلة فترة عودته الى الحياة السياسية، باستثناء أشهر انتفاضة الاستقلال الأولى، في كنف تفاهم مار مخايل، شارك في كل الحكومات، تولّى حقائب أساسية سيادية وخدماتية من الطاقة والاتصالات وسواها، تحالف مع أركان 8 آذار في كل الانتخابات النيابية وحصد الأكثريات، فرض كلمته في تشكيل الحكومات وتسمية رؤسائها، وختامها كان عهد الرئيس ميشال عون برافعة أساسية من حزب الله. والنتيجة أن "التيار" تحوّل الى حزب سلطة تماماً ككل الاحزاب والقوى السياسية التي شاركت في الحكم والسلطة منذ التسعينات، رغم أنه يواظب في أدبياته السياسية على فصل نفسه عن الطبقة السياسية، ما لا يصحّ بطبيعة الحال مع كل هذا المسار والدور الذي لعبه "التيار" كحزب حاكم في لبنان، وهذا حق طبيعي له وليس إدانة.

هذا العام تطلّ ذكرى 14 آذار وقد وقع "الهجران" بين حليفي العقد المنصرم، كي لا نقل الطلاق. فأين "التيار" ما بين 14 آذار ومار مخايل؟ ماذا بقي من كتابه البرتقالي؟ هل أصبحت الدولة أقوى بعد تفاهم 6 شباط؟ هل أُقرّت الاستراتيجية الدفاعية؟ أين الحريات في لبنان والاقتصاد الحر؟

يحاول "التيار" أن يستعيد نبض مبادئه ما قبل "مار مخايل"، يتحدث عن مشروع الدولة لكنه طوال سنوات تحالفه ارتضى أن يعيش في كنف دولتين، ولم يُسجّل له أنه قام بمبادرات لاقناع حليفه بضرورة سلوك مسار مختلف يقود الى الدولة الواحدة القوية تحكمها المؤسسات الشرعية والجيش الواحد والاقتصاد الواحد.

الحق يقال إن "التيار" اعترف بهذا الفشل، وكان رئيسه النائب جبران باسيل صريحاً بأن تفاهم مار مخايل فشل بتحقيق مشروع بناء الدولة، وأنه يحتاج الى إعادة قراءة، لكن الوقت قد تأخر كثيراً بعدما بلغ الانهيار قعر "جهنم" وأصبح الخروج منه يحتاج الى معجزة حقيقية، وبعدما أصبح "التيار" نفسه تتنازعه الصور المتضاربة والمتناقضة، بين صورة "التيار" رافع راية السيادة والاستقلال، أو "التيار" الحليف لحزب الله، أو "التيار" في الإبراء المستحيل أو ذاك الذي عقد تسوية كاملة الأوصاف مع بيت الوسط بهدف الوصول الى بعبدا، أو صورة "التيار" في الكتاب البرتقالي أو تلك التي تختصر تجربته الوزارية التي فشل فيها او أُفشلوه فيها كما يحلو لـ"العونيين" وصفها على قاعدة "ما خلّونا".

تناقضات كبيرة باتت تحيط بصورة "التيار"، ويغيب الوضوح عن هويته، وعن الرؤية السياسية كما الفكرية. وربما عليه أن يختار أي طريق سيسلك في المستقبل، ما بين حزب سلطة أو حزب "14 آذاري".