Advertise here

حوارات دولية ساخنة

14 آذار 2023 08:12:59

شكل مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد بين 17 و19 شباط/ فبراير في دورته ال59، محطة حوارية دولية مهمة، على الرغم من التباعد الكبير الذي يفصل بين القوى الكبرى المختلفة على ملفات حساسة. وكان لمؤتمر وزراء خارجية مجموعة العشرين (الدول التي تمتلك أكبر الاقتصادات في العالم) والذي عقد في الهند مطلع آذار/ مارس الحالي؛ دور مشابه، كمناسبة للحوار بين قوى لم تلتقِ منذ ما يقارب العام، على خلفية الصراع العسكري القائم في أوكرانيا.

لكن الحوارات التي جرت بين القوى المتخاصمة في هذين المؤتمرين كانت ساخنة، ولم تفضِ إلى تفاهمات مهمة؛ بل بقي التباين قائماً، وبدا كأن العالم أمام صياغة نظام دولي جديد، يقوم على حالة من الفرز المحوري، متخلياً عن مبدأ التعاون أو الشراكة بين الأقطاب الذين يتموضعون في ساحات متباعدة. والصورة اليوم مختلفة عن تلك التي كانت سائدة أيام الحرب الباردة؛ حيث إنه في تلك الفترة، كان الصراع يخفي خشية إعلان أي إجراء ميداني يغيظ الخصم، واقتصرت فترات التوتر على حروب صغيرة بالواسطة، أو على تهديدات كلامية – وكمثال على ذلك ما حصل في ملف الصواريخ في كوبا عام 1962 – بينما نرى اليوم حرباً ميدانية فعلية، تُخاض في أوكرانيا بطريقة غير مباشرة بين التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا وحلفائها المعلنين وغير المعلنين من جهة أخرى.

لقاء وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن ونظيره الصيني وانغ يي على هامش مؤتمر ميونيخ بألمانيا، كان جاداً وصريحاً، لكنه كان متوتراً في الوقت ذاته؛ ذلك أن حادثة تفجير المنطاد الصيني فوق الأراضي الأمريكية في 4 شباط/ فبراير، انعكست على أجواء اللقاء، ولم تكفِ الإشارة من الفريقين إلى تجاوز الحادثة، وعدم تكرارها للقول إن الأمور سوّيت بين الطرفين؛ إذ إنهما يختلفان في ملفات أخرى، ومنها خصوصاً موضوع جزيرة تايوان التي تعدها الصين جزءاً من أراضيها، بينما تعدها في الواقع الولايات المتحدة دولة مستقلة، وهناك خلافات تجارية كبيرة بين البلدين، كما أن موقف الصين من الحرب في أوكرانيا لا يحوز رضا أمريكا، التي ردت ببرودة لافتة على مبادرة الصين لإنهاء الحرب الأوكرانية، وهي تتهم بكين بتزويد روسيا بأسلحة تستخدم في الحرب.

وكان لافتاً عدم دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى مؤتمر ميونخ، بينما تجاوز عدد المشاركين هذا العام 450 شخصية من 100 دولة، علماً أن لافروف دُعيَ في العام الماضي إلى المؤتمر، ولم يحضر، خشية إثارة موضوع الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية قبل أسبوع من اندلاع هذه الحرب.

أما لقاء بلينكن ولافروف في الهند على هامش مؤتمر وزراء خارجية «مجموعة العشرين» فقد كان مفاجئاً، ولم يتم الإعلان عنه مسبقاً. وعلى الرغم من أنه لم يستغرق أكثر من 10 دقائق، فإنه حمل معاني كثيرة، وكشف عن حجم الخلاف بين الفريقين، لكنه دلَّ أيضاً على رغبة مشتركة بالحوار، مهما كانت نقاط التباعد كبيرة، لأن الوضع الدولي متوتر إلى درجة كبيرة، ولا بد من إحداث خرق في جدار التباعد السميك بين الشرق والغرب.

الحوار الساخن السريع الذي جرى بين الجانبين الروسي والأمريكي في الهند، تناول موضوع الحرب في أوكرانيا، والأهم أنه تضمن طلباً رسمياً من واشنطن لموسكو بالعودة إلى اتفاقية «نيو ستارت» التي تحد من انتشار الأسلحة النووية، بعد أن أعلنت روسيا، مؤخراً، تعليق العمل بالاتفاقية؛ وذلك أحدث مخاوف من فوضى نووية خطرة، وهي تبعث على الخشية من احتمال استخدام هذه الأسلحة المدمرة على هامش التطورات العسكرية التي تحدث في أوكرانيا، خصوصاً بعد أن وصلت الهجمات الأوكرانية إلى داخل الأراضي الروسية.

روسيا ترى في حربها بأوكرانيا، دفاعاً مشروعاً عن أمنها المُهدد، وهي تعد أن الحكومة الأوكرانية تحارب بالوكالة عن القوى الغربية والعصابات النازية التي تريد تدمير روسيا، وشطبها من المعادلة الدولية. وهذا الموقف لا يلقى أي تفهُّم في الغرب ولدى الولايات المتحدة خصوصاً، فهؤلاء يعدّون الحرب، مجرد عدوان توسعي روسي، يُهدد أمن أوروبا والعالم.

هل تتحول الحوارات الساخنة المتوترة إلى حوارات دافئة تحقق سلاماً يحتاج إليه العالم أجمع في هذه اللحظة السياسية العصيبة؟