Advertise here

فرونتسكا: هذا هو الحل المستدام للبنان

13 آذار 2023 07:30:00

تحرص المنسّقة الخاصّة للأمم المتّحدة في لبنان يوانا فرونتسكا على تصميم ما هو أشبه بـ"قارب نجاة" للإضاءة على كيفية انتشال بيروت من "غرق الانهيار"، وفق مقاربتها المنتهَجَة في أجوبتها على أسئلة "النهار"، التي بدت منتمية إلى التأكيد على عناوين أساسيّة من الضروريّ المباشرة بها للرسوّ على "برّ الحلول" بما يشمل أهميّة انتخاب رئيس للجمهوريّة... ومن هنا كان الإبحار في السؤال الأول.

تؤكّد فرونتسكا أنّ "انتخاب رئيس للجمهورية هو ممارسة ديموقراطيّة وعمليّة دستورية. إنّه أمر لا بدّ منه في بلد ديموقراطيّ. إنّنا نشعر بقلق بالغ إزاء التأخير في انتخاب رئيس جديد، والتباعد الواسع بين الكتل السياسيّة وتفاقم الاستقطاب نتيجة لذلك. وفيما أنّ الرئيس الجديد وحده لن يكون قادراً على حلّ أزمة لبنان المعقّدة، فمن الضروريّ مع ذلك انتخاب رئيس على وجه السرعة للتغلّب على الفراغ التنفيذيّ، واستئناف عمل مؤسّسات الدولة اللازمة لمواجهة التحدّيات المتعدّدة التي يواجهها البلد". ووفق إشارتها، فإنّ "التعجيل في انتخاب الرئيس سيجنّب البلاد شللاً أعمق وتفكّكاً مؤسّساتيّاً. مؤسّسات الدولة آخذة في التآكل بينما يعاني الناس من مصاعب متزايدة. يستحقّ الشعب اللبنانيّ دولة تضمن حقوقه واحتياجاته الأساسيّة وتعالج همومه المشروعة. توضح الأزمات المتراكمة أنّ حلول مشاكل لبنان لا يمكن أن تنتظر. إنّ إعادة لبنان إلى مسار الانتعاش والاستقرار مسألة ملحّة. يتوقّع الشعب اللبنانيّ أن تتصرّف قيادته بإحساس أكبر بالمسؤوليّة والاستعجال لمواجهة التحدّيات. هذا ضروريّ لإعادة بناء ثقة الناس وأملهم في مستقبل أفضل لبلدهم".

إغاثة لبنان من "أمواج الانهيار" بمساعدة كرسيّ رئاسيّ يصل إلى شاطئ الانقاذ... السؤال بديهيّ أيضاً عن المؤهّلات الضروريّة لمركز الرئاسة والأولويّات الأساسيّة للعهد الرئاسيّ المقبل. هنا، تلفت فرونتسكا إلى أنّ "هذه مسألة سياديّة واختيار الرئيس المقبل يعتمد فقط على اللبنانيّين أنفسهم. لكن في ظلّ الأزمات متعدّدة الطبقات التي يواجهها لبنان والاستقطاب العميق في البلاد، من الضروريّ وجود رئيس يمكنه توحيد اللبنانيّين برؤية واضحة للبلاد ومستقبله وموجِّه نحو الحلول". وبالنسبة لها، فإنّ "الأولويّات المباشرة واضحة: وضع مصالح البلاد واحتياجات الناس الملحّة أوّلاً وتوجيه لبنان نحو طريق التعافي من خلال تعزيز مؤسّسات الدولة، بما في ذلك تشكيل حكومة تتمتّع بالصلاحيّات وتنفيذ إصلاحات شاملة، لاسيّما تلك المطلوبة لإنهاء الاتّفاق مع صندوق النقد الدوليّ، ودعم سيادة القانون واستقلاليّة القضاء".

عن كواليس الجولة التي قامت بها خلال الأسابيع الماضية على عددٍ من المسؤولين اللبنانيين والوجوه السياسية، تكشف فرونتسكا أنه "باعتباري ممثلة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان وساعية إلى تنفيذ المساعي الحميدة، ألتقي في انتظام مع المسؤولين اللبنانيين وممثلي الأحزاب من مختلف الأطياف السياسية للحصول على فهم أفضل للوضع في لبنان، ولتقويم أفضل السبل التي يمكن للأمم المتحدة أن تدعم لبنان من خلالها بشكل أفضل لاسيّما خلال فترة الأزمة هذه. وشدّدت في كلّ لقاءاتي على ضرورة أن يتخذ الممثلون اللبنانيون المعنيون إجراءات عاجلة لوضع مصلحة البلد ومواطنيه فوق الأجندات السياسية والشخصية وتجاوز الخلافات وإيجاد حلّ يساعد على إنقاذ لبنان". وفي التفاصيل التي تشير إليها، "لا أزال أيضاً منخرطة بنشاط مع شرائح مختلفة من المجتمع بما في ذلك مجموعات المجتمع المدني والقادة الدينيين والمنظمات غير الحكومية والمجموعات النسائية والمجموعات الشبابية وغيرهم ممن لديهم دور يضطلعون به في بناء مستقبل أفضل للبنان. يحتاج لبنان إلى جميع مواطنيه وإلى إمكاناتهم الكاملة لإعادة البناء بشكل أفضل. وكجزء من الدور التنظيمي الذي يقوم به مكتبي، أشارك في مناقشات مع أعضاء آخرين في المجتمع الدولي، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمن الموجودون في لبنان، لضمان دعم دولي قوي ومتماسك ومتّسق لاستقرار لبنان على جميع الجبهات ولتنسيق بعض مجالات الدعم الحاسمة للبنان، مثل مساعدة الجيش اللبناني أو العمليات الانتخابية". واستناداً إلى ما تذكّر به، فإنّ "مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان أصدرت بياناً في 2 آذار الجاري للتعبير عن قلقها إزاء استمرار الفراغ الرئاسي وشلل الدولة الأوسع. للبنان أصدقاء في المجتمع الدولي، لكنّهم جميعاً ينتظرون من القادة السياسيين اللبنانيين إظهار الإرادة السياسية والقيادة. ليس بالأقوال والالتزامات، ولكن من خلال إجراءات ملموسة وتنفيذ إصلاحات هيكلية حقيقية. يجب أن تأتي الحلول طويلة الأمد من داخل لبنان. لكنّ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مستعدون وملتزمون تماماً بتقديم الدعم. وقبل الإحاطة التي سأقدّمها إلى مجلس الأمن الدولي في 16 آذار، أجريت أيضاً مشاورات في لبنان وإسرائيل حول تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701".

برزت مشاركتك في منتدى الطائف الذي انعقد قبل أشهر في بيروت؛ أيّ رهان على اتفاق الطائف في المرحلة المقبلة؟ رداً على هذا السؤال، تجيب فرونتسكا: "نعم فعلاً. أشرت في حديثي إلى أن أهمية اتفاق الطائف وصِلَته لا تزال راسخة، بعد أكثر من 33 عاماً على اعتماده، لاسيّما في التوازن الدستوري والطائفي الذي أنشأه. لم يكن مجرد آلية لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرّت 15 عاماً، بل صمّم إطاراً لإنهاء الطائفية وتحقيق التوازن في تقاسم السلطة، واللامركزية وتعزيز التعايش السلميّ الذي يميّز لبنان. كان منعطفاً سياسياً رئيسياً في تاريخ لبنان بسبب التحوّلات التي أدخلها على النظام السياسيّ من خلال الإصلاحات الدستورية. كما صادقت الأمم المتحدة على هذه الاتفاقية وأعادت تأكيد مركزيتها في القرارات ذات الصلة بلبنان ولاسيّما في قرار مجلس الأمن رقم 1701. بالرغم من عدم تنفيذ العديد من مضامين اتفاق الطائف، تؤكّد جميع الأطراف في لبنان مراراً التزامها بها. هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لضمان تنفيذها الكامل".

دعا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان برعاية الأمم المتحدة. كيف تنظرون إلى هذا الاقتراح؟ وهل هناك مسعى لعقد مؤتمرٍ مماثل أو لا راهناً؟ في إجابتها، توضح فرونتسكا أنّ "هموم البطريرك الراعي التي تعكس هموم الكثير من اللبنانيين مفهومة تماماً. من المهمّ التأكيد على أن أيّ حلّ للبنان يجب أن يأتي من الداخل. إنّه حقّ سيادي للبنان بقدر ما هي مسؤولية وطنية لقيادته لتقديمها لشعبها. ولا بدّ أن يضع القادة اللبنانيون مصلحة البلد أولاً وأن يتغلبوا على الخلافات وأن يجدوا الحلول التي يمكن أن تساعد في إنقاذ لبنان. تحقيقاً لهذه الغاية، يجب على جميع أصحاب المصلحة في لبنان، بمن فيهم الشركاء الدوليون، رسم أفضل مسار للأمام، والأمم المتحدة على استعداد لتقديم الدعم في هذا المسعى".

بين العاصمة بيروت والأمم المتحدة حكاية تاريخية كـ"منارة" دائمة الاشعاع يهتدي بها لبنان، تضيء عليها فرونتسكا مذ كان لبنان أحد الأعضاء المؤسّسين للأمم عام 1945 ومن المساهمين الفعّالين فيها، لاسيّما في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ ولطالما كانت الشراكة بين لبنان والأمم المتحدة قوية على مدى العقود الماضية. ويفرحها أنّ لبنان قد أوفى بالتزاماته تجاه الميزانية السنوية واستعاد حقه في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي مناقشة الدور الذي تضطلع به الأمم المتحدة في لبنان خلال المرحلة الراهنة، تروي فرونتسكا: "يسعدني القول إنّ التزام الأمم المتحدة وانخراطها تجاه لبنان لا يزال قوياً، وتحاول القيام بدور إبداعيّ وفعّال. في الواقع، كثّفت الأمم المتحدة في لبنان، بدعم من الشركاء القدامى والمساهمات السخية من المانحين، جهودها خلال السنوات الثلاث الماضية لمساعدة لبنان على التخفيف من آثار الأزمة العميقة الحالية واحتوائها. ولقد سبق لي أن تناولت بالتفصيل دور مكتبي، مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، هناك 25 وكالة وصندوقاً وبرنامجاً مختلفاً للأمم المتحدة بالإضافة إلى قوة حفظ السلام "اليونيفيل"، والتي تغطّي مجالات واسعة من المساعدات الإنسانية والتنمية وحقوق الإنسان وبناء السلام وعمل حفظ السلام". 

وتشرح أنه "لتنظيم أولوياتنا المشتركة ومواءمتها مع احتياجات لبنان، أطلقت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية إطار تعاون التنمية المستدامة (UNSDCF) للفترة الممتدّة بين 2023 و2025 لضمان قيام كيانات الأمم المتحدة بتنفيذ أنشطتها البرنامجية نحو الأهداف المشتركة المتّفق عليها مع لبنان، في الطريقة الأكثر فعالية وكفاية وذات الأولوية، بما في ذلك تحسين حياة ورفاهية جميع الناس في لبنان. وتماشياً مع التزامها بعدم إهمال أيّ شخص، زادت الأمم المتحدة من دعمها الإنساني في مجالات مثل قطاعات الأمن الغذائي والصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الطفل والعنف القائم على النوع الاجتماعي". ووفق ما تضيفه، فإنه "منذ العام 2021، ساعدت الأمم المتحدة وشركاؤها أكثر من 2.4 مليون شخص في لبنان. ويشمل ذلك أيضاً دعم المؤسسات العامة والبلديات والمنظمات غير الحكومية والشركات الصغيرة في لبنان. من خلال القيام بذلك، أنفقت الأمم المتحدة وشركاؤها ما يقارب 2.5 مليار دولار أميركيّ لتلبية احتياجاتهم المتزايدة. وبالإضافة إلى المساعدة الإنسانية، يتمّ حشد الجهود لدعم استقرار مؤسسات الدولة اللبنانية، وبناء القدرات لمختلف القطاعات، والعمل على تنفيذ أجندة التنمية المستدامة، والتزامات حقوق الإنسان، وضمان التزام لبنان بممارساته الديموقراطية، بما في ذلك الدعم الفنيّ للانتخابات البرلمانية. الأمم المتحدة مستعدّة الآن أيضاً لتقديم دعمها للانتخابات البلدية المقبلة". وتختم: "لكن في النهاية ، تكمن الحلول المستدامة لمشاكل لبنان في تنفيذ الإصلاحات الشاملة الحاسمة التي التزمت بها الحكومة اللبنانية. وهناك بالطبع أيضاً الدور المهمّ الذي تضطلع به "اليونيفيل" في جنوب لبنان، مع أكثر من 10 آلاف جندي في دعم تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 ومساعدة الجيش اللبناني على بسط سلطة الدولة والحفاظ على الهدوء على طول الحدود".