Advertise here

الاتفاق السعودي- الإيراني لبنانياً: رهانات "الانتصار" تعطّل الرئاسة... "حزب الله" يتمسك بفرنجية أكثر من عون 2016!

13 آذار 2023 07:15:00

من المبكر الجزم في أن المنطقة دخلت في مسار جديد سيؤدي إل حل كل الملفات الإقليمية، ومن بينها الاستحقاقات اللبنانية، ذلك أن الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية يحتاج إلى الكثير من القراءة والتقييم في ما إذا كان اتفاقاً يشمل كل المسارات أم أن له وظائف ترتبط بمصالح آنية، من دون استبعاد ما يمكن أن يواجهه من معوقات أو يتضارب مع مصالح دولية أخرى، على الرغم من ظهور الصين لاعباً في المنطقة يمكنها التأثير في المسارات الإقليمية والدولية. لكن الرافعة الصينية المؤثرة وحدها لا تستطيع أن تبلور حلولاً في المنطقة، في ظل تعطّل المفاوضات النووية بين أميركا وإيران، واشتداد الحرب الأوكرانية، والاهم التباعد بين السعودية والولايات المتحدة أو التوتر الذي دفع الرياض إلى البحث عن منافد أخرى لحماية مصالحها.

الاتفاق يعيد السعودية بلا شك إلى تأدية دور مهم في ملفات المنطقة، لكنه ينسجم مع أولويات الرياض وحسابات مصالحها القريبة والبعيدة، إضافة إلى اعتبارات حتمت عليها السير لانجاز الاتفاق وفق تصورات وضعتها حول العلاقة مع إيران وانعكاساتها على ملفات ترتبط باليمن والعراق وسوريا وأخيراً لبنان، حيث يترقب الفرقاء ما سيحمله الاتفاق حيال الاستحقاقات اللبنانية. في المقاربة اللبنانية للاتفاق بدا أن البعض استسهل التقييم أو استعجل في قراءة مندرجاته، وكأنه اتفاق إيراني- سعودي حول لبنان سينعكس سريعاً على حل ملفاته، ويمكّن اللبنانيين من انجاز الاستحقاق الرئاسي، إلى حد أن "الثنائي الشيعي" الذي رحب بالاتفاق قرأه وكأنه انتصار لمحور الممانعة سيؤدي إلى إيصال سليمان فرنجية للرئاسة.

لكن الوقائع تشير إلى أن الامور لا تعكس أجواء إيجابية مباشرة على لبنان، إذ أن ملفاته لا ترتبط حصراً بالسعودية، وإن كانت إيران تعتبر البلد ساحة لنفوذها، إذ أن الاتفاق سيدخل لمدة شهرين في مرحلة تجريبية، سيكون ملف اليمن له الأولوية القصوى وفق ما تقول مصادر دبلوماسية متابعة، وبالتالي سيخضع لتقييم السياسات الخارجية قبل فتح السفارتين، وبعد ذلك تأتي الملفات الأخرى ومن بينها لبنان. المشكلة تبقى في الرهانات اللبنانية المتسرعة، فإذا كان "حزب الله" يعتبر وفق المصادر أن الامور ستصب في مصلحة مرشحه للرئاسة وبالتالي مشروعه، فإن القوى المقابلة تراهن على تقديم الحزب تنازلات بما يتناسب مع البوصلة الإيرانية الجديدة التي كرّسها الاتفاق، من دون الأخذ بالاعتبار أن هناك قوى دولية مؤثرة وأساسية تتابع الملف اللبناني، من اجتماع باريس إلى توجهات الولايات المتحدة الأميركية، حيث الاهتمام بلبنان لا يزال في مرتبة متأخرة أمام التطورات الدولية والإقليمية، فضلاً عن فكفكة الاستعصاءات الداخلية، وهذا يعني أن قراءة المتغيرات الدولية والإقليمية تنطلق من حسابات لبنانية قاصرة وتحمل الكثير من الاوهام.

التشنج السياسي والطائفي في البلاد الذي يرافق الانهيار المتتالي لكل مؤسسات الدولة يختلف عن مرحلة الفراغ بين 2014 و2016، والتي انتهت بإيصال المرشح الوحيد لـ"حزب الله" ميشال عون إلى الرئاسة. وجرى الانتخاب حينذاك كأنه عملية تعيين أو تنصيب أمر واقع بعد التغيّرات في الساحتين الدولية والإقليمية أحدثها الاتفاق النووي 2015. لا مجال للمقارنة بين الاتفاق الإقليمي السعودي- الإيراني اليوم، وبين الاتفاق النووي قبل ثماني ستوات، ووفق المصادرالدبلوماسية لا تبدو ملفات المنطقة محسومة على قاعدة التوافق بين الطرفين، والتي تحتاج إلى رافعة دولية تتجاوز الدور الصيني الجديد والذي يشكل العلامة الفارقة الأساسية في المسار الجديد. والأمر يستلزم وقتاً قبل تعرض الاتفاق لضربات أو تخريب أو تنصل من البنود خصوصاً في ملفات سوريا ولبنان. ولذا سنشهد في لبنان مزيداً من الكباش في ضوء الرهانات المتسرعة للقبض على البلد واحكام السيطرة عليه إضافة إلى الصراع على هويته في ظل اختلال موازين القوى القائمة وتقدم "الثنائي الشيعي" للحفاظ على مكاسبه، وارتداد القوى الاخرى خصوصاً المسيحية إلى بيئاتها الطائفية متسلحة بالمقاطعة أيضاً في انتظار تغيّرات دولية وإقليمية فعلية تصب في مصلحتها.

دفع الاتفاق في إعلانه الأولي "حزب الله" إلى الاحتفال بنشوة الانتصار، لا بل أن أجواء الثنائي الشيعي تروج لإمكان عقد جلسة نيابية لانتخاب الرئيس، وتنصيب سليمان فرنجية. لكن هذا الرهان يبدو في غير محله، ذلك أن أكثر الملفات التي ستكون قابلة للحل هي الملف اليمني القريب وهو في المدى الأمني السعودي، وسيخضع الأمر للتقييم لتهدئة هذه الساحة، خصوصاً وأن الإيرانيين باتوا على قناعة أن الحوثيين لن يستطيعوا القيام أكثر مما حققوه على الأرض وبالتالي لا يمكنهم السيطرة أكثر على المجال اليمني الأوسع. وعلى هذا يبدو لبنان في آخر الملفات، انطلاقاً من أن السعودية غير مهتمة ببحثه كأولوية، وان كانت تريد أن تكون لها كلمة فيه بفعل مشاركتها في اجتماع دول باريس. لكن على الأرض تبدو الامور مختلفة، إذ أن التفكك الذي أصاب البيئة السنية في لبنان وتشتت مرجعياتها لا يجعل من السعودية طرفاً مباشراً في التفاوض حول الحل اللبناني وليست أيضاً حتى الآن في وارد تسييل المساعدات لانتشاله من أزماته.

انطلاقاً من الاتفاق والرهانات المتسرعة حوله، سنشهد مزيداً من المواجهة واصطفافات متناقضة بين القوى، لا تساعد في انجاز الاستحقاقات. وبعد مجاهرة "حزب الله" بترشيح سليمان فرنجية، سيضغط أكثر لإيصاله كمرشح وحيد وخيار أخير. الإصرار على فرنجية هو اكثر من التمسك بميشال عون في 2016، كون الترشيح سياسي تحت عنوان حماية المقاومة خصوصاً وأن الحزب يعتبر أن السعودية ستقدم من خلال الاتفاق تنازلات كان يراهن عليها تبعاً لموازين القوى، وبالتالي إذا لم تعقد جلسة نيابية لانتخابه فإن الشغور سيطول بفراغ سيضطر القوى الأخرى للحاق به وسيكون الوقت كفيلاً باستسلام الآخرين كما حدث في مسار 2016.

وعلى رغم ما أحدثه الاتفاق السعودي- الإيراني ورعايته الصينية من ردود فعل ومواقف ورهانات، إلا أن الحل اللبناني بالنسبة إلى الدول لا يزال غير ناضج، فيما الاستعصاءات الداخلية تزداد حدة في الصراع على هوية لبنان. وما لم تصل القوى الداخلية إلى تفاهمات للتسوية سيبقى الملف الرئاسي في حالة انسداد، وستستمر الضغوط في ظل انهيار مالي متسارع مع تلاشي معالم الدولة خصوصاً إذا وصلت الامور إلى مرحلة شغور منصب حاكم مصرف لبنان وبعدها قائد الجيش، ما يفتح على فوضى وانفجارات أهلية وفرز مخيف. ولذا يبدو المشهد السياسي اللبناني رغم "الاتفاق" أمام أزمة طويلة تتخللها أخطار كبرى على الصيغة والكيان.