Advertise here

تهميش متعمَّد لدور الأمم المتّحدة

08 آذار 2023 10:01:35

بدا واضحاً أن تهميشاً يصيب دور منظمة الأمم المتحدة ويطال أجهزتها الرئيسية الستة، خصوصاً منها الجمعية العامة ومجلس الأمن والسكرتيريا العامة التنفيذية. والملاحظ أن تقليص فاعلية دورها يطال المجلس الاقتصادي والاجتماعي ووكالاته الـ14 المتخصصة في شؤون الإغاثة والتغذية والتربية والصحة وحقوق اإنسان وغير ذلك، رغم تكاثر المهام أما هذه الوكالات.

 

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل عام؛ لم تبادر الأمم المتحدة إلى القيام بالدور المطلوب منها وفقاً لمندرجات المادة الأولى من الميثاق الذي يفرض التحرُّك لحل النزاعات الدولية بالمفاوضات السلمية، بينما الجمعية العامة التي انعقدت في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، اكتفت بإدانة احتلال بعض الأراضي الأوكرانية من قبل روسيا، من دون أن تضع أي خطة عملية للتوسط لإنهاء النزاع المسلح بين الدولتين. وهذا النزاع مرشح لأن يتطور في أي لحظة إلى حرب كونية لا يمكن التكهُّن بويلات نتائجها، وزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن كييف تؤكد المنحى الخطير لهذه الحرب، رغم أن بايدن ترك باباً مفتوحاً على إمكان إعادة التفاوض مع موسكو، من خلال إبلاغها مسبقاً بموعد زيارته أوكرانيا.

 

وفي التوتر الساخن في أقصى الشرق؛ تتهم الولايات المتحدة الأميركية مجلس الأمن  بالتقاعس عن القيام بالدور المطلوب للجم التجاوزات الكورية الشمالية، لا سيما في تمادي الأخيرة بتنفيذ تجارب نووية وصاروخية بعيدة المدى. والمندوبة الأميركية لدى المجلس ليندا توماس قالت إن "الأعمال الخطيرة المهددة للسلم التي تقوم بها بيونغ يانغ تحظى بتغطية من دولتين كبيرتين لهما مقعدان دائمان في مجلس الأمن – تقصد روسيا والصين – وقد سبق واستخدمت الدولتان حق النقض – الفيتو – ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يفرض عقوبات على كوريا الشمالية في أيار/مايو 2022، ما شجَّع قادة بيونغ يانغ على التمادي في التجاوزات".

 

في المقابل؛ فإن روسيا والصين تتهمان بعض وكالات الأمم المتحدة بالانحياز إلى التوجهات الغربية، وبالخضوع لإرادة الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الأخيرة تعطل التفاهم داخل أروقة مجلس الأمن الدولي حول القضايا الدولية الحساسة وفي الملفات الإقليمية الساخنة، والبيان الموقع من 10 دول أعضاء في مجلس الأمن والذي يدين الممارسات الكورية الشمالية، ويدعو إلى فرض عقوبات قارية عليها؛ عقَّد المشهد داخل أروقة المجلس، بدل أن يساهم بالولوج إلى التفاهُم، وفقاً للمقاربة التي تتبناها الدبلوماسية الروسية.

 

في ظل هذه الأجواء الدبلوماسية المتوترة؛ اعترف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام جلسة مجلس الأمن الأخيرة بالعجز عن معالجة معظم المُعضلات المطروحة، وهو حذَّر من خطورة وجود ما يقارب مليار نسمة في العالم يواجهون صعوبات في تأمين الغذاء، وهؤلاء يعانون جراء تفاقُم الكوارث الطبيعية الناتجة من الزلازل والفيضانات وبسبب تنامي درجة حرارة الأرض، وارتفاع منسوب مياه المحيطات. وبدا غوتيريش عاجزاً عن مواكبة المشكلات المتأتية عن التغيرات المناخية، ولم تتمكن الأمم المتحدة حتى الآن من إلزام كل الدول بمقررات مؤتمر باريس للمناخ لعام 2015 ولا بتوصيات مؤتمر شرم الشيخ لعام 2022، لناحية فرض القيود الصارمة على خفض الانبعاثاث الحرارية.  

 

ويظهر تراجع دور الأمم المتحدة في الملفات الإقليمية المتوترة أيضاً، بحيث عجز مبعوث الأمين العام إلى سوريا غير بيدرسون وقبله ستافان دي مستورا من إحراز أي تقدم لحل الأزمة في سوريا خلال ما يقارب العشر سنوات، بينما أخفق ممثلو الأمين العام المتعاقبون في ليبيا عن فرض إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تخرج البلاد من حالة اللااستقرار والانقسام. كما يغرق المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند – المعين من الأمم المتحدة - في دوامة المراوحة، وهو لم يحقق أي نجاح في هذه العملية، بينما يستمر العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين العُزّل، وانتهاك المقدسات من دون أي رادع. وما ينطبق على مساعي الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، يحصل في العديد من المناطق في العالم، لا سيما في القرن الأفريقي، وفي ملف حل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان وغيرهما.

 

لا يمكن تحميل الأمانة العامة وإدارات الوكالات المتخصصة كامل المسؤولية عن تراجع دور الأمم المتحدة، لكونها الأجهزة التنفيذية المناط بها تطبيق سياسة المنظمة، ذلك أن المسؤولية الكبرى تقع على الفوضى الدولية القائمة، وعلى تراجع منسوب الحوار بين الدول الكبرى إلى الحدود الدنيا، وبما يزيد عن الوضعية التي كانت قائمة إبان الحرب الباردة بين عامي 1950 و1990. كما أن انخفاض العائدات المالية لبعض الوكالات الإنسانية المتخصصة في شؤون الصحة والتغذية والإغاثة والتعليم في ظل تزايد حجم مهامّها؛ يفرض تراجعاً في دور المنظمة الدولية لا يجوز أن يستمر طويلاً.