Advertise here

الحكم هيبة

03 حزيران 2019 12:00:00 - آخر تحديث: 05 حزيران 2019 14:36:13

معيب ما يجري في الإدارات والمؤسسات اللبنانية. رئيس الحكومة يصدر "فرماناً " يمنع فيه الموظفين من المشاركة في إضرابات أو مظاهرات، تحت طائلة المسؤولية. يعلن العاملون في الجمارك الإضراب . يلحق ضرر كبير بالناس ومصالحهم مع بداية شهر رمضان المبارك، لناحية عدم إدخال مواد غذائية  وإتلاف قسم منها، وبالمالية العامة لناحية تغيير بواخر وجهات سيرها، أو لناحية المشهد الأبشع الذي ذكّر اللبنانيين بأيام الحرب، وهو مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود خوفاً من عدم إدخال الكميات المطلوبة بسبب الإضراب وتحسباً لأزمة مفتوحة. ماذا فعل رئيس الحكومة ؟؟ أين فرمانه؟؟ أين هيبة السلطة والحكم؟؟ لا شيئ. سكوت تام. ثم يطمئن بأنهم حققوا إنجازاً. تمّ تعليق الإضراب. وانفرجت الأزمة وكل شيئ على ما يرام !! إنه انفصام تام عن الواقع . 

اليوم وزير من فريق رئيس الحكومة يهدّد الموظفين بحسم من رواتبهم إن هم شاركوا في إضراب وغابوا عن عملهم !!

لا شك في أن المساءلة والمراقبة والمحاسبة عناصر أساسية في أمانة المسؤولية وإدارة الشأن العام وثوابت يجب أن تميّز سلوك أي مسؤول، وبالتالي هي لا تمارس استنساباً. وبناءً عليه، من حق الناس أن يسألوا: ألم يشارك أساتذة التعليم الأساسي، والتعليم الثانوي والجامعي في الإضرابات، وامتنعوا عن مراقبة الامتحانات ثم عن تصحيح النتائج عندما أجريت؟؟ ألم، ألا يشارك الموظفون في الإضرابات عندما تناقش سلسلة الرتب والرواتب والموازنات المتلاحقة للدولة، ومن ضمنهم بالتأكيد الذين ينتمون الى الفريق الذي يهدّد باتخاذ اجراءات بحق المضربين ؟؟ 

إنه وجه آخر من وجوه الانفصام والاستغلال للسلطة، التي يستخدمها البعض لحسابات شخصية أو فئوية، أو يخرج عليها عندما يكــــون خارجها ويستقوي بها عندما يأتي إليها. لا. لا تستقيم الحياة السياسية في البلد هكذا. كل شيئ معروف. واضح. والاستباحة للقوانين والأنظمة على قدم وساق في كل مكان. الثابت هو المصالح . على الأقل لينتبه الذين يفعلون ذلك فيبتعدون عن تعريض المقام وهيبته وكرامته وأمانة المسؤواية لأي إهانة. لا يجوز إصدار قرار أو تعميم لا يكون صاحبه قادراً على تنفيذه. ولا يجوز لأحد تنفيذ أي أمر بقوة السلطة ، في وقت كان هو ذاته يتجاوزه. لو كان ثمة احترام للقانون وقناعة ثابتة وممارسة جدية في الانحياز الى مفهوم الدولة ومنطق الدولة لكانت الأمور مستقيمة ولما وصلنا الى ما نحن عليه من سياسة منهجية مبرمجة لتدمير الدولة ومؤسساتها ترافقها ديماغوجية وشعبوية بشعة تعبّر عنها مواقف من هم في مواقع القرار ويلتزمون هذه السياسة. 

الحكم هيبة. والقيادة هيبة تختزن الخبرة والتجربة والصبر والنفس الطويل والمعرفة والصدر الواسع والترفّع والتواضع والصدق والتلازم بين الإرادة والإدارة. فأين نحن من هذه الهيبة ومخزونها؟؟

لقد هزلت السياسة في لبنان. ولم يعد ثمة هيبة وجدية وقيمة لمركز قرار مع  "المسحورين" بالسلطة، الجائعين الى "إغراءاتها" "وخيراتها"، الضائعين في ممارسة صلاحياتها ، القابعين في أسر شهواتها . 

لبنان في محنة سياسية اقتصادية اجتماعية مالية. وثمة من هم في مركز القرار أصغر من "المهنة" وبالتالي أصغر وأضعف من مواجهة المحنة فيسبّبون للبنانيين محناً إضافية !!