موقف مشرف للجيش اللبناني على الحدود الجنوبية، وكما في كل مرة يحاول فيها العدو الإسرائيلي إنتهاك السيادة اللبنانية، ما يؤكد قدرة هذا الجيش بإمكانيات قليلة وبإرادة كبيرة من أن يكون حامياً ومدافعاً عن الأرض والشعب. فما جرى أمس في عيتا الشعب من خلال إجبار العدو على التراجع عن خرق الخط الأزرق يثبت قدرته المستندة الى عقيدة وطنية ودعم شعبي على التصدي للعدو الإسرائيلي في انتهاكاته المتكررة، ولو مهما تفاوتت الإمكانيات.
أما في السياسة، فصراع في الخارج يقابله صراع في الداخل، وتأزم خارجي ينسحب تأزما داخليا، وتعقيد في حل أزمات المنطقة يعقّد أزمات الداخل أكثر. هكذا تبدو صورة الوضع في لبنان بفعل ربط البعض المسائل الوطنية بما يجري خارج الحدود. وعليه تبدو الأمور الداخلية لاسيما انتخاب رئيس جديد، معلقة حتى إشعار آخر، إن لم يكن مرحلة الى أمد قد يطول بانتظار معرفة كيف سترسو القضايا الإقليمية الكبرى.
وفي الوقت الضائع هذا تتفاقم الأزمات المعيشية - الحياتية، ويشتد التساجل السياسي الذي رأت فيه مصادر سياسية عبر "الأنباء" الالكترونية تعميقا للفجوة أكثر وأكثر بين القوى السياسية، كما لفتت الى ما اعتبرته سرعة التحضير لأوراق الطلاق بين حزب الله المؤيد لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والتيار الوطني الحر المعترض عليه بشدة، حتى ولو أن النائب جبران باسيل مازال يراهن على وصل ما انقطع مع الحزب في حال تأكد خروج فرنجية من السباق الرئاسي.
توازياً أشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب حسن عز الدين في حديث لجريدة الأنباء الإلكترونية إلى أن "الخطاب السياسي المتوتر بدأ يعقد المشكلة أكثر وقد يصعب حلها، والطريق الصحيح للوصول الى الحل يكون بجلوس الجميع حول الطاولة والشروع بحوار جدي للوصول إلى خارطة طريق تبدأ من ثلاثة عناوين أساسية، أولها انتخاب رئيس الجمهورية ثم تشكيل حكومة فاعلة والبدء بتنفيذ خطة اقتصادية". لكن المشكلة حسب قوله "تكمن لدى الذين يحاولون ان يفرضوا خيارات مستفزة، في الوقت الذي يجب عليهم أن يتوقفوا عن السجالات ذات السقوف العالية، وأن يلجوا باب الحوار من بوابة المؤسسة التشريعية التي تعتبر أم المؤسسات الدستورية في البلد"، مؤكدا ان "هناك فرقا كبيرا بين قطع الطريق والتحفيز لإنهاء الازمة"، اذ برأيه أن تسمية الرئيس بري لفرنجية هي "نوع من التحفيز لأن الفريق الآخر يصر ان نسمي مرشحنا، وقد سمينا، وعليه أن يقدم مرشحه ثم نذهب الى المجلس فتجرى الانتخابات ومبروك للفائز بكرسي الرئاسة".
وأضاف عز الدين: "قد يتساءل البعض عن جدوى الحوار انطلاقا من التجارب السابقة، ونحن نعتبر أن الحوار ضروري نتيجة الواقع المأزوم ليس فقط في لبنان بل في المنطقة ايضا"، داعيا اللبنانيين الى "التعالي عن المصالح الضيقة والأنانية لمصلحة الوطن، فالكل يجب ان يشارك في الحوار طالما لا أحد بإمكانه إلغاء الآخر، ونحن كفريق سياسي كنا الأكثر حرصا على تشكيل الحكومة وتنازلنا عن بعض حصصنا لتسهيل عملية التشكيل، في وقت كان البعض يطعن الحكومة بالظهر، فعطلوا التشكيل واستمرينا بحكومة تصريف الاعمال".
وعن امكانية الدعوة لعقد جلسة انتخاب قبل شهر رمضان، اعتبر عزالدين ان "الجلسة مرهونة بإيجاد تطور وتقدم بالمسار الدستوري لانتخاب الرئيس، فمن غير المستحسن الذهاب الى جلسة استعراضية. فإذا لم يحصل أي تقدم على هذا المسار من الممكن جدا ألا يدعو الرئيس بري لجلسة انتخاب".
من جهته اعتبر عضو تكتل الجمهورية القوية النائب نزيه متى في اتصال مع الأنباء الإلكترونية أنه "يوما عن يوم يتبين أن هناك مشروعين في البلد، ومن جهتنا وبمن نمثل نريد ان نبني البلد. وهناك فريق آخر يتخطى بطروحاته مشروع الدولة، لأن حزب الله أصبح لديه رديف بكل شيء موجود في الدولة، في العسكر وفي النظام المالي وفي العلاقات الخارجية وفي الهيمنة الداخلية. وهذا النهج السياسي هو نهج انتحار وليس نهج بناء الدولة الذي نعمل له ليل نهار"،
معتبرا أنه "كنائب يواجَه كل يوم بعشرات الأسئلة، ماذا بعد؟ وهل تريدون منا أن نهاجر من البلد؟ فمن المؤسف أن كل فريق أصبح مستقلاً عن الآخر ويريد تنفيذ مشاريعه بعيدا عن الآخرين. زمن المؤسف أن نجد في لبنان أطرافا ليس لديها حساب لأي مشروع سياسي ولا يهمها سوى مصلحتها الخاصة. وبالمقابل هذا الأمر لا يزيدنا الا اصرارا على اعادة بناء البلد بكل مؤسساته. فليس لدينا أي حل الا ان نبقى مصرين أكثر من أي وقت مضى على الصمود في وجه كل المؤامرات ولن نستسلم".
وفي تعليقه على إمكانية الدعوة لجلسة انتخاب الرئيس قبل حلول شهر رمضان شرط ان يكون هناك منافسة حقيقية، قال متى: "طالما ان الرئيس بري كشف عن مرشحه فلا يمكنه أن يسمي مرشحنا. نحن لدينا مرشحنا وهو معروف من الجميع المهم ان تكون جلسة الانتخاب ديمقراطية. وبنهاية المطاف لا بد من انتخاب الرئيس بعد أن عطلوا هذا الاستحقاق أربعة أشهر"، مشككا في قدرة الفريق الآخر على تأمين أكثرية 65 صوتا لفرنجية.
المواقف المتباعدة هذه واستمرار التشكيك المتبادل، مع استمرار نسق التعطيل للدولة ومؤسساتها، يضع كل الدولة بخطر مضاعف، ولن يكون هناك من مخرج الا بالعودة الى انتظام المؤسسات على أمل أن يقتنع الأطراف الرافضون لهذا المسار بمدى الخطورة التي بلغتها الأمور.