أزمة الدواء ليست جديدة في لبنان، فهي نتيجة تراكم السياسات الدوائية الخاطئة منذ عقود، بحيث كان هناك تواطؤ ومشاركة في الفساد في ما يتعلّق بالسياسة الدوائية التي يسيطر عليها تجار الدواء الذين يضعون التسعيرة على كيفهم.
بعد الانهيار الاقتصادي، الذي سرّع الأزمة، لم تعد هناك تغطية ودعم للأدوية السرطانية وأدوية الأمراض المزمنة، التي ما لبثت أن فقدت وانكشفت عورة السياسيين. وبدل أن تضحي قليلاً شركات الدواء التي جنت الأرباح منذ العام 19970حتى العام2020 بما يفوق الـ 11 مليار دولار فوق الأرباح الشرعية، لجأت الى بيع الأدوية في الأسواق العراقية والأفريقية. وبالتالي، حتى الصناعة المحلية التي تدعي أنها وطنية أصبحت تهرّب الى الخارج لبيعها وجني الأرباح بالعملة الأجنبية.
هذا المناخ النفسي أضفى ارتياحاً على تجار الدواء بحيث ازدادت نسبة الجشع والطمع لديهم.
في السياق، يوضح نقيب الصيدليات جو سلوم في حديث لموقع "لبنان الكبير" أن "هناك أدوية تدخل لبنان عبر الأطر الشرعية ولكن للأسف أسعارها أصبحت خيالية بالنسبة الى مدخول المريض"، مشيراً الى أن "هناك انقطاعاً بالنسبة الى الأدوية المزمنة والأمراض السرطانية، كما أن هناك أزمة التهريب في الأسواق المحلية بحيث تباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسوق السوداء واستغلوها كتجارة مما يشكل خطورة على حياة المريض".
أما بالنسبة الى الدولار الجمركي فيؤكد سلوم أنه "سيؤثر على أسعار الدواء بطريقة غير مباشرة".
بدوره، يلفت النائب السابق اسماعيل سكرية الى أن "التاجر أصبح يفرض شروطه التي تناسب أرباحه التي يريدها، ووزارة الصحة أصبحت عاجزة في ظل العجز المادي والدعم، والمصرف المركزي يتغنى على طريقته بدعم الدواء بالأرقام التي يراها مناسبة"، معتبراً أن "الحل بات صعباً في ظل التجاذبات السياسية القائمة وتقاعس المسؤولين عن دورهم".
وبالنسبة الى الأدوية المهرّبة، يكشف سكرية أن "هناك قراراً بعدم وجود مختبر لفحص الدواء لأن نصف أدوية السوق تطير أي حوالي مليار ونصف المليار دولار".
وعن المخاوف من اجتياح الدواء المهرّب الأسواق، يرى سكرية أن "المافيات تستغل الظرف لتهريب الأدوية المغشوشة من الدول المحيطة"، مؤكداً أهمية "وجود المختبر للحد من التهريب".
وعن مدى تأثر الدواء بالدولرة الشاملة وخصوصاً بعد قفز الدولار الجمركي الى الـ 45 الف ليرة، يقول: "الدواء أصبح مدولراً وليس هناك حل إلا بقرار سياسي وطني كبير يتفق عليه يحدد أن الأولوية هي الناس خارج الاصطفافات السياسية التي تستبيح الصحة الوطنية".