Advertise here

هل تستحق باخموت كل هذا النزيف؟

05 آذار 2023 18:44:23

تحولت مدينة باخموت الصغيرة في منطقة دونيتسك بإقليم دونباس في الشرق الأوكراني، إلى أكبر رمز في الحرب الدائرة منذ أكثر من عام. الهجوم الروسي الواسع النطاق الذي تقوده مجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة مضى عليه ستة أشهر، وبات اليوم يطبق الحصار على المدينة من ثلاث جهات.

باخموت كما يجمع الكثير من المحللين العسكريين ليست ذات قيمة استراتيجية كبيرة، وسبق للولايات المتحدة أن نصحت القيادة الأوكرانية بالانسحاب منها تجنباً لإزهاق المزيد من أرواح الجنود في معركة لن تكون لها قيمة في مجرى المعارك على جبهات أخرى.  

لكن القوات الأوكرانية تتشبث بباخموت كعنوان للصمود. وتأكيداً على الأهمية المعنوية للمدينة زارها الرئيس فولوديمير زيلينسكي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي قبل أن ينطلق في زيارة للولايات المتحدة حاملاً معه علماً أوكرانياً يحمل تواقيع الجنود الأوكرانيين المدافعين عن المدينة. والجمعة زار قائد القوات البرية الأوكرانية أوليكسندر سيرسكي المدينة.   

وفي المقابل، باتت باخموت بالنسبة للروس عنواناً لاستعادة الزخم في أوكرانيا بعد سلسلة من الهزائم العسكرية في صيف وخريف العام الماضي. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد المدينة ليثبت أن القوات الروسية لا تزال قادرة على تحقيق تقدم في الميدان، على رغم تدفق المساعدات العسكرية الغربية على كييف، كماً ونوعاً. 

غداً عندما يكتب التاريخ، سيأتي على ذكر باخموت كمحطة فاصلة في الحرب الروسية-الأوكرانية، مثلها مثل مدن شكلت في الماضي محطات صار يؤرخ بها مسار الحروب قديماً وحديثاً.   

إن الاستيلاء على باخموت سيمنح القوات الروسية موطئ قدم في دونيتسك والسيطرة على نقطة مواصلات رئيسية، ومن شأنها أن تشكل أيضاً منصة للانطلاق نحو مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك أبعد نحو الغرب.   

وجزء من الإستراتيجية الروسية قد يكمن في محاولة الهجوم على الخطوط الأوكرانية بقوة كافية من أجل مواصلة الضغط عليها، بينما تبحث عن نقاط ضعف بهدف تحقيق اختراق في نهاية المطاف في دونباس. إن السيطرة على دونباس من شأنها إقناع بوتين بأنه حقق الحد الأدنى من وراء "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، وتالياً سيكون على استعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات.   

وتخشى أوكرانيا أن يفتح سقوط باخموت الطريق أمام روسيا لوضع يدها على كامل دونباس، وتالياً ستزداد صعوبة شن هجوم معاكس على القوات الروسية، حتى مع حصول كييف على دبابات "ليوبارد-2" وأنظمة صاروخية بعيدة المدى. وعليه، فإن سقوط باخموت سيطيل أمد الحرب ويفاقم من حجم الخسائر البشرية والمادية في الجانب الأوكراني.   

ويأمل الروس في أن زيلنسكي والغرب من ورائه سيفتر حماسهم لمواصلة الحرب، وسيكونون أكثر ميلاً للجلوس إلى طاولة المفاوضات، الأمر الذي لا يزال يرفضونه اليوم.    

ويلخص النائب الأول للمندوب الروسي الدائم إلى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي هذا الواقع بقوله، إنه "من المستحيل تحقيق أهداف بلاده من وراء الحرب إلا إذا تم الاستيلاء على باخموت". ويضيف: "ليست مدينة سهلة. إنها مدينة يوجد فيها أنفاق وتحصينات تحت الأرض... ولذلك هناك صعوبة في الاستيلاء على المدينة، لكنني متأكد من أننا سننجح".        

لهدفين متناقضين يخسر الجيشان الروسي والأوكراني مئات القتلى يومياً في باخموت ومحيطها، حتى بات الكثيرون يطلقون على منطقة المعارك "مطحنة الدم".   

ويعتبر أحد نواب القائد في الحرس الوطني الأوكراني فولوديمير نازارينكو إن "كل متر من الأراضي الأوكرانية يكلف مئات الأرواح من صفوف العدو. ثمة روس هنا أكثر من الذخيرة التي نملكها للقضاء عليهم".   

إلى هذا الحد أضحت باخموت أمراً مهماً معنوياً، بحيث يصل البعض إلى المبالغة في التكهنات بالقول إن من يربح معركة باخموت يربح الحرب.