الأحداث الأمنيّة المتنقلة بين المناطق اللبنانيّة المختلفة، حتى ولو كانت دوافعها بغالبيتها الساحقة منطلقاتها شخصية ولم تحرّكها الغرائز الطائفيّة والمذهبيّة الكامنة في النفوس، إلّا أنها تبقى مثيرة للقلق وتستوجب متابعة دقيقة مع فقدان لبنان تدريجيّاً للأمان والاستقرار الأهلي. إنّ إزدياد أعمال السلب والنهب والقتل والإجرام إنما يترافق مع الانحدار الاٍقتصادي والاجتماعي ومع السقوط التدريجي لمنظومة القيم والأخلاق في المجتمع.
في بلد مركب وشديد التنوّع مثل لبنان، لا يمكن التغاضي عن تأثيرات التعثر السياسي والشلل المؤسساتي على واقعه الأمني وعلى استقراره الاجتماعي. ولا يمكن حتماً إغفال القاعدة التي كانت تعتبر أنّ الأمن في لبنان هو “أمن سياسي”، بمعنى أنّ مقومات توفيره مرتبطة بحالة “الرخاء السياسي”، وفقدانه مرتبط بالحالة المعاكسة لها.
من هنا، يبدو مفهوماً (وليس مبرراً) أن تؤدّي حالة الانكشاف السياسي إلى انكشاف أمني، ما يفتح المجال واسعاً أمام وقوع حوادث متفرقة مثيرة للقلق وتنذر بعواقب وخيمة ما لم تخرج البلاد من حالة المراوحة السياسيّة التي لا تبدو العديد من الأطراف أنها مستعجلة لتجاوزها بدليل عدم استعداد أيٍّ منها للخروج من المربع السياسي الذي وضعت نفسها فيه.
المهم أن تحافظ المؤسسات الأمنيّة والعسكريّة أيضاً على وحدتها، وهي تقوم بواجباتها وفق الإمكانيات المتاحة، وتلاحق المتورطين في تلك الأحداث وتسوقهم إلى العدالة، ولكن تبقى القدرة على تعزيز الأمن الاستباقي (دون تحويل البلاد إلى تطبيق أسس الأنظمة البوليسيّة المرفوضة قطعاً) هي حجر الزواية في حماية الاستقرار الأهلي.
وإذا كانت تلك خلفيّة بعض الأحداث المتفرقة التي تحرّكها نوازع فرديّة وأسباب خاصة أو مسببات متصلة بالأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة غير المسبوقة؛ فثمة مسائل أخرى على قدر أكبر من الحساسيّة والتعقيد لا سيّما تلك المرتبطة بالقضايا السياسيّة والنقاشات الحامية في البلاد وهي غالباً ما تنطلق من أو تتحوّل إلى تباينات ترتدي الطابع الطائفي والمذهبي وترخي بظلالها على الواقع المحلي بشكل أو بآخر.
صحيحٌ أن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة لن يكون بمثابة عصا سحريّة تحقق إنفراجات كاملة على مختلف الأصعدة؛ ولكن الصحيح أيضاً أن انتخاب الرئيس هو المدخل الطبيعي لانتظام عمل المؤسسات الدستوريّة وهو شرط ضروري لاتخاذ الخطوات التي من شأنها بدء إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي وقعت فيها وأدّت إلى تدمير الطبقة الوسطى وانهيار العملة الوطنيّة.
لبنان يمر بحقبة خطيرة لن يكون الخروج منها نزهة، بل هو طريق صعب معبّد بالأشواك. إلا أنّ الإنقاذ ليس مستحيلاً!