لا تنتهي تبعات إضراب الأساتذة المفتوح، على المدَيَين القصير والبعيد. وفي جديدها، التسرّب نحو سوق العمل، وإيلاء الأطفال الأهمية لجني المال على حساب التعليم، وهذا ما يعزّزه الواقع الاقتصادي والمعيشي الحرج، ذلك إلى جانب غياب التعليم والتربية والتثقيف عن هؤلاء الأولاد، دون أن ننسى تداعيات كل هذا المشهد على السنوات المقبلة.
وفي هذا السياق، كشفت رئيسة جمعية "نضال لأجل الإنسان"، ريما صليبا، عن عودة 4 أطفال عاملين إلى سوق العمل في باب التبانة منذ بدء الإضراب، بعدما كانت الجمعية قد عملت على إقناع أهلهم بتسجيلهم في المدارس، وساعدتهم في تأمين بعض المستلزمات الدراسية، بالإضافة إلى تخصيص برنامج خاص لهم لمساعدتهم بدروسهم.
وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، لفتت صليبا إلى أنّ أعداد الأطفال الذين بدأوا يتسربون من المدارس إلى سوق العمل ازداد بسبب إضراب الأساتذة وإقفال المدارس، وذلك لأسباب عديدة فنّدتها بما يلي:
- الظروف الاقتصادية الصعبة في البيئات الفقيرة بشكلٍ خاص تدفع بهؤلاء الأطفال للعمل بهدف مساعدة أهلهم.
- تشجيع بعض الأهالي أبناءهم على العمل بدلاً من المكوث في المنازل "من دون شغلة ولا عملة"، كما لتجنيبهم تعلّم آفة التدخين وتوابعه في الشارع.
وإذ أكّدت صليبا على أحقية الأساتذة في تحقيق مطالبهم وتفهّم ظروفهم، شدّدت على أنّ الأطفال لا يجب أن يدفعوا ثمن ذلك ويتحملوا المسؤولية، وأشارت إلى أن "جمعيّتنا عملت في السنة الماضية على إعادة أطفال من سوق العمل إلى مقاعد الدراسة، "والذي نعتبره الهدف الأسمى في مشروع محو الأمية"، لكن الإضراب أعادنا إلى نقطة الصفر. والأسوأ يكمن في أن هؤلاء الأولاد لن يعودوا إلى الدراسة حتى لو تمَّ تعليق الإضراب، لأنّ الظروف الإقتصادية اليوم، للأسف، تشجّع على العمل أكثر من التعليم".
ولفتت صليبا إلى التبعات السلبية لهذه القضية، مناشدةً الحكومة تلبية مطالب الأساتذة، كما ناشدت الأخيرين، وقبل أي أمر آخر، معاودة التعليم عن بُعد ولو مؤقتاً حتى يبقى الأطفال في جو الدراسة، وتفهّم خطر الإضراب والعودة الفورية إلى المدارس والتنازل نسبياً، حتى لا يتحمّل الأطفال مسؤولية ما يحصل، مؤكّدةً على دور الأهالي والمجتمع المحلي للحد من التسرّب إلى سوق العمل ومكافحة هذه الظاهرة من خلال التوعية على أهمية الحق في التعليم وإيجابياته على مستقبل الطفل أولاً والمجتمع ثانياً، وتفعيل التفتيش والرقابة على المؤسّسات للتأكّد من عدم توظيف أطفال".
وإلى ذلك، ذكّرت صليبا بدور الجمعيات المختصة بحماية الأطفال والتي تقوم بدورٍ جبّار في هذه الظروف، لافتةً إلى ما تقوم به "نضال لأجل الإنسان" لجهة تنظيم حلقات توعية حول حقوق الطفل، وتقوية مدرسية، ودورات محو أميّة، حتى لو كانوا يعملون إذ لا بديل عن ذلك. وهذه النشاطات التربوية الهادفة من شأنها إبقاء الأطفال في أجواء الدراسة إلى حين تعليق الإضراب.
وفي هذا الإطار، لفتت إلى أن "الإقبال على هذه الحلقات كثيف من قِبَل الأطفال اللبنانيين والسوريين على حدٍ سواء، وفي ذلك مؤشر جيد يُشير إلى رغبة الأطفال في إكمال تعليمهم رغم الظروف، لكن تبقى المسؤولية الأكبر والتعويل على الحكومة والأساتذة".
رئيس رابطة أساتذة التعليم الأساسي الرسمي في لبنان، حسين جواد، أشار إلى أنّ "الأساتذة لا يتحمّلون المسؤولية، بل الحكومة التي تتأخّر في تنفيذ المطالب التي من شانها إعادة فتح المدارس"، كاشفاً أنّ أياً من المساعدات التي تم الحديث عنها في الإعلام لم تُصرف نهائياً.
وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، لفت جواد إلى أنّ "الملايين تُصرف على قطاعات أخرى فيما قطاع التربية مُهمل، ولم يتم إقرار بدل إنتاجية ولا بدل نقل، وكل ما تمّ فعله هو إرسال دراسة إلى وزارة المالية حول صرف 5 ليترات بنزين كبدل نقل".
وحذّر من أنّ "الأساتذة ينتظرون نتيجة الجلسة الحكومية وإقرار المطالب وإلّا الاستمرار في الإضراب، مع العلم أنّ التأخير لأسبوع واحدٍ فقط سيعني تطيير العام الدراسي وحينها، وفي حال تم إقرار المساعدات في وقت قريب، سيتم تمديد العام الدراسي".
أمّا وعن التعليم عن بُعد، فقد لفت جواد إلى المشكلات التقنية التي تعرقل هذا الموضوع لجهة غياب الكهرباء، والإنترنت، والتجيهزات التقنية.
وفي الختام لفت جواد إلى حلٍ من الحلول المقترحة، وقال: "منصّة "صيرفة" كانت تصرف 100 مليون دولار في كل يوم عمل، وتذهب هذه الأموال إلى التجّار، في حين أنّ الأساتذة أحق في هذه الأموال".