لا تزال تتفاعل في الأوساط السياسية والدبلوماسية تصريحات أمين عام حزب الله حسن نصر الله والتي وصلت إلى التهديد بالانقلاب على اتفاق الترسيم الذي اعتبره محور الممانعة والتيار الوطني الحر درة التاج في إنجازات عهد ميشال عون!
فالسيد نصرالله وخلافا لمسار التهدئة الذي رسمه اتفاق الترسيم، رفع السقف إلى حد تهديد الولايات المتحدة بأنه في حال استمر العمل على ضرب لبنان ودفعه نحو الفوضى، فإن المقاومة سترد بفتح الحرب بوجه العدو الإسرائيلي.
والسؤال المطروح في الكواليس: هل البلد الذي وصل الى مرحلة الارتطام الكبير، وهل الدولة المنهارة وشبه المفلسة والمعطلة، وهل أن الشعب الجائع الذي نُهِبت مدخراته في المصارف وانهارت عملته ومؤسساته الصحية والاستشفائية والتربوية، وهل أن ما يعصف بالمنطقة من كوارث وزلازل، والأوضاع الإقليمية والدولية الخطيرة، مؤاتية وتتحمل أن يذهب ما تبقى من لبنان الى مغامرة عسكرية لا يعلم أحد حجم ومدى عواقبها الوخيمة على وطن لم يعد لديه الحد الادنى مستلزمات الحياة والصمود والبقاء؟
وبحسب ما يتردد في الكواليس السياسية، فإن السبب الأبرز الذي دفع السيد نصرالله الى هذا التصعيد بتوقيته وحيثياته وحساباته، مرتبط بالملف الرئاسي بخلفية استخدام التصعيد كسبيل من أجل فرض مرشحهم كرئيس جديد للبنان، كما أنه مرتبط بشكل أساسي بواقع البلاد وأزماتها المتفاقمة وما يترتب عليها من آفاق مسدودة بوجه حزب الله المأزوم أمام جمهورٍ ضاقت به سبل العيش الى درجة انه لم يعد قادرا على تحمل وجع تداعيات الأزمة الخانقة، على قاعدة أن شعارات الانتصار الشعبوية، والصواريخ والمسيرات بمختلف انواعها وأشكالها، لا تطعم البطون الخاوية، ولا تُسمِن ولا تُغني من جوع.
الى ذلك، قللت مصادر متابعة من جدية تهديدات نصرالله ووضعتها ضمن خانة إرضاء وشدّ عصب جمهوره الذي يتململ من حدة الأزمة التي تعصف بالبلاد، سيما أن هذا الجمهور الذي يعاني مثل كل الشعب اللبناني، تتزايد قناعته في أن خيارات حزب الله في الإقليم وسياساته الداخلية التي أوصلت في العام 2016 ميشال عون إلى قصر بعبدا هي المسؤولة عن حالة الفقر والبؤس والمعاناة غير مسبوقة التي وصل إليها لبنان.
المصادر أشارت إلى أن حزب الله يدرك أكثر من غيره، أن لبنان بأوضاعه الكارثية وحالة شعبه الذي يعاني بمعظمه من الفقر والعوز وضيق الأحوال، غير قادر ولا يتحمل زجه في حرب جديدة شبيهة بحرب تموز 2006 التي انتهت بإطلاق السيد نصرالله شعاره الشهير "لو كنت أعلم". هذا مع التذكير أن العرب الذين هبّوا الى نجدة لبنان وإعماره بعد عدوان 2006، هم على طرف نقيض من ما يقوم به حزب الله، خصوصا بعد تدخلاته المتمادية في أكثر من بلد عربي ضد العرب ومصالحهم الاستراتيجية.
المصادر أكدت أن محور المقاومة برمّته قد أثبت بالوقائع منذ اغتيال قاسم سليماني أنه عاجز عن الرد على الاعتداءات الاسرائيلية الموجعة، وهذا الأمر تثبّت مؤخرًا بعد الاعتداءات الاسرائيلية في قلب دمشق وقبلها في عمق إيران بمدينة اصفهان، فكيف يمكن لحزب الله أن يرد او يدخل في حرب انطلاقا من لبنان، خصوصاً أن الدخول في مغامرة عسكرية في ظل الحرب الكونية الدائرة في أوكرانيا ستكون حساباتها ومداها وحجمها وقواعد اشتباكها مختلفة عن الحروب السابقة، مع ترقب كيف سيكون التعاطي الاميركي والاوروبي مع أي حرب قد يقدم عليها حزب الله، آخذين بعين الاعتبار مسألة التورط الايراني في الحرب الأوكرانية الى جانب روسيا، كما مع الأخذ بعين الاعتبار أن اوروبا سوف تتخذ كافة الاجراءات التي من شأنها أن تحمي امدادات الغاز التي يتم تصديرها من اسرائيل الى اوروبا كبديل عن الغاز الروسي.
وعليه، تشدد المصادر ان كل التقارير الدبلوماسية تؤكد أن اخذ لبنان في هذه المرحلة نحو أتون مغامرة عسكرية جديدة لن تكون عواقبها كارثية وحسب، بل ستكون بمثابة قرار انتحاري جماعي يتحمل مسؤوليته من يدفع إليه.
وإذا ما سلّمنا بفكرة أن أميركا تستهدف لبنان بالفوضى، فالأجدى بحزب الله وحلفائه الذهاب نحو تسوية تتيح انتخاب رئيس توافقي، ومن ثم تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن تكون قادرة على السير بالخطوات الإصلاحية المطلوبة والمعروفة، وعلى تحييد لبنان عن صراع المحاور كي يتمكن من اعادة علاقاته الطبيعية مع العالم العربي والمجتمع الدولي. هكذا فقط يُسقِط حزب الله المؤامرة الاميركية المفترضة، ويُنقِذ لبنان من كبوة أزماته ويجنبه مغامرة عسكرية لا قدرة له ولا لشعبه على تحمل وزر ويلاتها الجهنمية والطاحنة.