لحظات رعب عاشها الناس مساء أمس على امتداد الساحل من لواء الاسكندرون في تركيا حتى لبنان بفعل الهزة الأرضية التي بلغت 6،4 درجات في هاتاي وبلغت تردادتها المناطق اللبنانية، فنزل بعض السكان في عدد من المدن والمناطق اللبنانية إلى الشوارع، فيما اتخذ وزير التربية قرارا احترازيا بتعطيل الدراسة اليوم طالبا الكشف الفوري على المباني المدرسية للتأكد من سلامتها.
أما الهزات السياسية والاجتماعية في لبنان فلم تتوقف بعد مع الارتدادات اليومية التي تصيب معظم القطاعات، والتي أطلقت أمس صرخة جديدة خلال التحرك النقابي بوجه المسؤولين للاسراع بانتخاب رئيس الجمهورية من أجل انتظام عمل المؤسسات والبدء بورشة الإنقاذ قبل فوات الأوان.
وفي غضون ذلك تم تأجيل اجتماع هيئة مكتب المجلس إلى أجل غير مسمى في ظل الرفض المسيحي لعقد جلسة تشريعية. وكذلك تم تأجيل اجتماع السراي بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للبحث في سبل لجم ارتفاع الدولار، بما يؤكد أن الأمور معقدة وليس هناك من بوادر حلحلة في كل الملفات.
في سياق متصل أشار عضو تكتل الجمهورية القوية النائب الياس خوري في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية الى أن "الأولوية بالنسبة للقوات اللبنانية هي انتخاب رئيس للجمهورية، أما تفسير الدستور حول تشريع الضرورة فقد أصبح خاضعاُ لاجتهادات من كل الأطراف"، وفق تعبيره، لافتا إلى أن "المشرّع وضع هذه المادة في الدستور للضرورة فقط، لأن الأولوية هي لانتخاب الرئيس وتشكيل حكومة للنهوض في البلد وتنفيذ الإصلاحات، ولا يجوز التحايل على الدستور وتمرير بعض الأمور من بوابة تشريع الضرورة على حساب التأخير في الأولويات".
خوري أكد أن "تكتل الجمهورية القوية لم يرفض الحوار، لكنه يرى وجوب أن ينطلق من مجلس النواب وبين الكتل النيابية، وأن يستمر الحوار بينها إلى حين الاتفاق على الرئيس. فالحوار بالنسبة للتكتل يجب ان يكون ضمن آلية معينة تنطلق من الاتفاق على النقاط الأساسية".
وفي الشأن المالي والاقتصادي وفي موضوع اضراب المصارف وتأجيل اجتماع السراي، وصف الخبير المالي والاقتصادي أنطوان فرح في حديث مع "الأنباء" الإلكترونية إضراب المصارف "بالجزئي على اعتبار أن ماكينات السحب ما تزال تعمل والمصارف تسيّر أمور الشركات"، متوقعا "استمرار الاضراب لأن القضايا الاساسية التي من أجلها بدأ لم تحل ولم تعالج"، ورأى أن "تأجيل اجتماع السراي المالي الذي يهدف لاتخاذ اجراءات للجم ارتفاع الدولار يرتبط بهذا الموضوع على اعتبار ان المسؤولين يريدون معالجة اشكالية المصارف كي تستطيع أن تعود الى فتح ابوابها ومن ثم البدء باجراءات للجم الدولار".
وأضاف فرح: "لو أراد مصرف لبنان اعادة العمل بمنصة صيرفة التي كان قد أغفلها قبل إضراب المصارف فهو يستطيع العمل بها حتى ولو كانت المصارف مضربة كما هي اليوم، لأن ماكينات السحب تعمل والشركات تستطيع تخليص معاملاتها في المصارف أيضاً"، معتبراً أن "الحل لن يكون إلا من خلال سلة متكاملة لكل القضايا التي أثارتها المصارف، وفي نفس الوقت يتم إطلاق منصة صيرفة من جديد في محاولة للجم الدولار".
من جهة ثانية رأى فرح أن "جزءا كبيرا مما قاله نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب بموضوع الكابيتال كونترول هو منطقي، فهو شرح أن الكابيتال كونترول ليس هو العلاج بل هو إجراء لمنع التحاويل الى الخارج ومن ثم البحث عن المعالجة"، مشيرا إلى "نقطة بقيت ملتبسة ترتبط بالسحب على سقف 800 دولار كحد ادنى لكل مودع، وهذا الأمر فسره بو صعب على أنه يشمل 190 ألف مودع على اساس ان المستفيدين من التعميم 158 هم الذين يستفيدون من عملية السحب، وهذا الأمر ليس دقيقا على اعتبار أن هناك 900 الف مودع يحق لهم الاستفادة من التعميم 158"، موضحًا أن النائب بو صعب أخذ عدد المودعين بناء على عدد المستفيدين من التعميم 158 أي حوالي 190 ألف مودع فقط، لكن واقعيَا أن عددًا كبيرًا من المودعين لم يتقدم للاستفادة من 158 ربما خوفًا من التوقيع، إذ سرت شائعات يومها أن من يوقع على التعمم قد يخسر حقه في المطالبة بباقي أمواله من المصارف، فإذا تم تشريع هذا الأمر عبر كابيتال كونترول فهناك 900 ألف مودع غالبيتهم سيحاولون الاستفادة من هذا الوضع وستكون كميات السحب كحد ادنى 800 دولار كبيرة جدًا ولن تستطيع المصارف بسيوليتها الحالية تغطيتها. لذلك يجب توضيح هذه النقطة والتفكير منطقيا وواقعيا بين حاجات المودع وبين قرارات المصارف لكي يصار الى حل يكون قابلا للتنفيذ".
وإلى جانب هذه التفاصيل المتعلقة بحقوق المودعين، والتي شكلت ولا تزال حجر الرحى في كل المطالبات المشروعة بوضع خطة إنقاذ مالية شاملة للدولة تضم في طياتها موضوع حماية الودائع وتوزيع الخسائر بعيدا عن صغار المودعين، فإن البلاد ستبقى في الانهيار المستمر طالما بقيت نوايا بعض القوى السياسية تتمحور حول تحقيق المصالح الذاتية ولو خسر لبنان كل قرص إنقاذه، وهذا ما يؤخر كل المبادرات الممكنة لحل الأزمة المستفحلة.