اللبنانيون، شعباً ودولة، هم على مسافة أيام قليلة من عيد الفطر المبارك. وعطلة المناسبة الكريمة سوف تكون كافية لاستراحة الجميع، في البلاد، أو في الخارج، وهي مناسبة لمحاسبة الذات، سواء في الذمة، أو في الشأن العام، والمؤمنون لا يفرقون بين ما هو خاص، وما هو عام. فالذمة هي القانون، والدستور، وهي القاضي الذي يحكم بالعدل، وبالصدق، والشجاعة، أو لا يحكم.
ونحن اللبنانيين شعب مسامح، ومتسامح، وإلا كيف لوزراء ونواب ان يكرروا بياناتهم، وتصريحاتهم، ووعودهم، ولا ينفذون، ولا يكشفون، أو يوضحون الاسباب، ليعرف اللبناني ما هو العطل، ومن هو العاطل، والمعطّل؟!
الرئيس نبيه برّي تجاوز هذا العام يوبيله الفضي في رئاسة مجلس النواب (1992-2019) و "عقبال اليوبيل الذهبي"، فهو يستحق المنصب، والمنصب يستحقه، وهو الآتي من المحاماة، أولاً، ثم من الكادرات الحزبية في "حركة أمل"، يصر منذ إنتخابه رئيساً لمجلس النواب في أواخر العام 1992، على أن يعطي مركزه هيبة لم يحظ بها أي رئيس سبقه على سدة رئاسة السلطة الإشتراعية.
ولشدة تمسكه بالاصول البرلمانية، حتى أبسط شكلياتها وأدق تفصيلاتها في النظام، فإنه منذ تقلده المنصب ومسؤولياته لم يخرج عن الدستور والقوانين، وهو دقيق الملاحظة، حتى في أدق التفاصيل، فإذا وقف نائب ليتكلم باسم الشعب اللبناني، ووضع يده سهواً في جيبه، نبهه الرئيس النبيه بأدب، فيخرج النائب يده فوراً ويعتذر. وإذا دخل نائب آخر في حديث مع زميله أثناء المناقشة تتحرك مطرقة الرئاسة للتنبيه إلى أن النائب الذي يتكلم إنما يتكلم ليسمع النواب والوزراء. وإذا لاحظ الاستاذ ان "التسرب" بدأ في القاعة بعد طول نقاش، أمر الحجاب بإقفال الابواب لمنع النواب من الهرب وإفقاد النصاب. أما إذا سادت الرتابة في الخطب المطوّلة، فالرئيس بري حاضر، ناضر، مستمعاً، فيتدخل ليلفت النائب باشارة إلى الساعة، وأحياناً، إذا لم يأخذ النائب بالملاحظة، يطلق الرئيس "قفشة" فيضحك المجلس، وينهي النائب مداخلته الطويلة.
لكن هذا المناخ في مجلس النواب، لا يخفب الفراغ في مقاعد "المعارضة" التي لا بد منها لتستقيم الديموقراطية، ويسود القانون، وتتأمن العدالة، ومصالح الشعب، وإلا تحوّل المجلس "جمعية عمومية عائلية" تهتم بشؤونها حصرياً وعلى الشعب، وعلى البلاد السلام!
وهذا الواقع يعبر عنه معارضون من داخل الحكومة، بل إلى ن مواقف بعض الوزراء في قضايا معينة تؤكد ان المعارضة موجودة في الحكم، وأنها ملتزمة برامج ومطالب أحزابها، أو مرجعياتها، ومع ذلك يبقى هناك فراغ كبير في الواجهة الديمقراطية.. فما العمل؟
سبق ان حصل هذا "العطب" في "الديمقراطية اللبنانية" خلال الفصل الاول من العام 1994. فقد كانت المعارضة في ذلك الزمن ممثلة بمجموعة أقطاب مقيمين في الخارج، أولهم العميد ريمون اده المعارض الدائم في الوطن، وفي المهجر، ورئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل، وقائد الجيش السابق الجنرال ميشال عون، ورئيس حزب "الوطنيين الاحرار" دوري شمعون، والاقطاب الاربعة كانوا في فرنسا، وكل منهم كانت له أسبابه، أما العميد اده فكانت له شروطه، وكان يعلن أنه غادر الوطن خوفاً على حياته، وأنه لن يعود قبل جلاء الاحتلال الاسرائيلي عن الجنوب، والبقاع الغربي، وجلاء القوات السورية إلى بلادها، ومغادرة الإيرانيين إلى بلادهم... وقد قضى داني شمعون في لبنان، أما العميد ريمون إده فقد عاد إلى البلاد في نعشه.
وفي ذلك الماضي، بكوارثه، ومصائبه الوطنية، والإنسانية، كانت المعارضة مشروع "شهادة".
حالياً ثمة معارضة من داخل هيكل الحكم، وهي علامة على وجود "نوع" من الديمقراطية في حكومة الثلاثين وزيراً، شرط أن تستمر، وأن تكون صوت الرأي العام. ومن حظ اللبنانيين مع المجلس الحالي أن في عداده نواباً ووزراء من جيل مجدد، وسيدات إخترقن جدار النيابة والسلطة، وهذا إنجاز مدني لجميع اللبنانيين.
وإذا كان لبنان يخسر كل فصل الآلاف من منتجي ثروته الشبابية، ومن إمكاناته العلمية والثقافية، والمهنية، فانه يخسر معهم جزءاً كبيراً من ثقة الجيل الجديد بدولته، ووطنه، وهذه قضية وازمة مفتوحة على المجهول.