Advertise here

في العام 2003... هذا ما قاله هاني فحص لـ"الأنباء" عن كمال جنبلاط

31 أيار 2019 12:26:00 - آخر تحديث: 31 أيار 2019 12:58:23

الديموقراطية والحرية عند المعلم كمال جنبلاط إحتلا مكانة خاصة، وشقا طريقهما من المستوى النظري إلى المحاولات التطبيقية الجدية. 

ولأنه من الصعب الإحاطة بفكر كمال جنبلاط نظرا لشموليته وسعته ومحاكاته لمختلف القضايا الإشكالية السياسية المعاصرة، تستعيد "الانباء" نشر صفحاتها القديمة ومنها الندوة الحوارية التى إستضافتها حول مفهوم الديموقراطية والحرية وسبل تقريب الواقع منهما على ضوء المعطيات السياسية والإجتماعية المتصلة بالتكوين الثقافي والمجتمعي، في كانون الاول 2003 في العدد رقم 1884، وشارك فيها العلاّمة الراحل السيد هاني فحص، الأب الراحل الدكتور جورج مسوح ونائب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الراحل الأستاذ فؤاد سلمان.

وإليكم نص الحوار بين أسرة تحرير "الانباء" والعلامة فحص على ان ننشر لاحقاً الحوار مع الاب مسوح بعدما كنا قد نشرنا الحوار مع فؤاد سلمان:

"الأنباء": كيف تقرأون العناصر الخاصة بالديموقراطية وفقاً لمفهوم كمال جنبلاط؟
ـ فحص: ميزة كمال جنبلاط الأولى في ثقافته وإتساع أفقه المعرفي، وهذا يعني أن هناك مستوى آخر في شخصيته منع من أن تكون المعرفة والثقافة عامل فصل عن الدولة العامة، إذا هو متفرد مندمج في الوقت نفسه.

وهذا يتجلى في منهجيته التي نعتبرها إشكالية لأنها، من جهة، ليس فيها إطلاقات وتعميمات، ومن جهة ثانية، نعتبرها توازنية.
وذلك يعني أنها ليست شمولية مركبة، ليس ا فيها تبسيط للواقع ولا تنزيل للواقع على النص بل محاولة تنزيل للنص على الواقع، أي إنتاج النص من الواقع.

"الأنباء": إذن، أنتج كمال جنبلاط خصوصية لمفهوم الديموقراطية؟
- فحص: نعم، كانت رؤيته للديموقراطية مركزّة، لم يتعامل معها كوصف مجرد مطبقة وناجحة في مكان وأنه يمكن أن تطبق بالطريقة ذاتها في مكان آخر وتحقق النجاح نفسه. لذلك، الديموقراطية بالنسبة له كانت مفهوماً رجراجاً لا تعريف منطقي مفهومي حصري لها بل يأخذ تعريفه التاريخي من الحالة التي يطبق عليها، وكأنه كان يشترط الديموقراطية بالخصوصيات.

"الأنباء": إذن تفترضون عدم إمكانية التعاطي مع الديموقراطية، وفقاً لكمال جنبلاط، على أنها وصفة جاهزة ومحددة تطبق إعتباطا وأوتوماتيكياً في كل مكان؟
- فحص: صحيح، إذ أنه لا بد أن تُضاف خصوصية الحالة التي يطبق عليها العامل الديموقراطي بمعنى أن تكون مرتبطة بثقافة الشعب وذاكرته ونمط علاقاته بهدف إحترام خصوصياته وضبطها بالعام الديموقراطي.

من هنا، إستعمل كمال جنبلاط تعبير ديموقراطية شرقية عربية وقرأ المكونات والخصوصيات.  

"الأنباء": كيف يُطبق هذا المفهوم على الحالة اللبنانية مثلاً؟
ـ فحص: هناك المثال اللبناني والمثال العراقي التعددي . لقد شكل إتفاق الطائف رافعة سياسية مهمة بصرف النظر عن تعقيداته وتطبيقاته . فلا يجوز تطبيق الطائف على العراق قبل «تعريقه» أولاً، لأن نمط الشكل العراقي مختلف. ولا بد من مراعاة الشروط الخاصة لأن الديموقراطيات العربية ناقصة أو مزيفة بحيث أن هناك جرعات ديموقراطية في الوطن العربي محكومة بضرورات الإستبداد وهناك ديموقراطيات مزيفة بمعنى أنها قائمة على أسس وآليات غير سليمة.

"الأنباء": إذن، أنتج كمال جنبلاط خصوصية لمفهوم الديموقراطية؟
ـ فحص: الديموقراطية عنده تقوم على ركيزتين أساسيتين: حرية الإنسان والمساواة الطبيعية. هو أشار إلى الثوابت القائمة على الحقوق في الشراكة الإنسانية العامة، بينما إعتبر المتغير هو الواجب. كان مثقف حداثة وحداثته لم تقطعه عن جذوره فنظر إلى الدين كمكون لهذه الأمم كلها وللإنسان ككل معتبره شرطاً وجودياً وإنسانياً مع إحتفاظه بنقده على المسيحية والإسلام والتوحيدية، دون أن يتنصل من الدين نهائياً بل إنه رآه في موقعه التكويني. كان مقتنعاً بأن التطوير لا يتم من خلال القطيعة وبأن الإتجاه نحو الديموقراطية المعاصرة لا يقوم على إدارة الظهر إلى الماضي.

في وصفه للديموقراطية قال «الإكراه المحبب» كعلاقة الحب بين الزوج والزوجة، فكم هو جميل هذا الإنضباط الرضائي والسلطة الطوعية. وهنا يصبح كمال جنبلاط أقرب إلى الدين الذي يؤيد السلطة الطوعية من خلال أنسنتها  .

"الأنباء": على ضوء المرتكزات الفكرية المرتبطة بديموقراطية كمال جنبلاط التي تم تفصيلها في الحوار، كيف السبيل لمواءمة النظرية مع الواقع؟
ـ فحص: هناك بعدان جدليان في شخصية كمال جنبلاط. وهذان البعدان يتطابقان أحياناً ويتخالفان أحياناً. البعد الثقافي الذي يلازمه ويعرفه الشك ويتحول إلى معرفي والمعرفة سلطة، والبعد الآخر هو سياسي الذي يلازمه اليقين وعليه أن يأخذ براي ويسير. كمال جنبلاط الثقافي كان منجزا ويحتاج إلى الإستمرار في الإنجاز ويتحول إلى مدارس وإلى مجموعة حيويات فكرية بنتيجة مستوياته المتعددة.

بينما كمال جنبلاط السياسي كان مؤسسا على طريق الإنجاز، إلا أن عدم الإنجاز لا يعني الفشل حيث أن مكان المشروع السياسي هو التاريخ، بينما مكان المشروع الثقافي هو الذهن والعقل وعملية تنزيل العقل على التاريخ عملية معقدة.

"الأنباء": وهل تحقق مشروع كمال جنبلاط السياسي؟
ـ فحص: لا، لأنه لم يكن فقط رهن إرادته، إنما مجمل الظروف الداخلية والخارجية. علينا إستكمال مشروعه السياسي على ضوء المستجد المعرفي والسياسي والحياتي.

"الأنباء": كيف تفسر تشابك الديموقراطية والحرية وعناصرهما على المستويين النظري والتطبيقي؟
ـ فحص: إشكالية الديموقراطية والحرية عند كمال جنبلاط تستوجب العودة إلى نصوصه، فهو يبحث عن النظم الموحدة ضمن نطاق الشرق الديموقراطي الجديد أي أنه يبحث عن التعدد في الوحدة وعن الوحدة في التعدد. ويقول: «رغم الحريات، ديموقراطية الغرب تستوجب النقد لأنها لا تكفل للمواطنين إمكانات التمتع الفعلي بالحقوق والواجبات»، هناك حريات لكن غائيتها مفقودة، فالحرية محققة في الغرب لكن غائيتها غير محققة.

لذلك، الحرية لا تُنتج بل تراكم كم ولا تراكم نوع. بتقديري  أن كمال جنبلاط يعتبر أن البلد الديموقراطي ليس البلد الذي ينعم بكمية الحرية الأكبر، بل الذي فيه منهجية الحرية أعمق ووظيفة الحرية أعلى . هذا طموح كمال جنبلاط.

ـ فحص: لقد قال كمال جنبلاط: «إن الإنسان مشروط دائما بوعيه للحرية»، فالإنسانية تتحقق بالتالي بمدى هذا الوعي، وتراجعه هو تراجع للإنسانية. وأنا أخاف اليوم على مجتمعات عربية محرومة من الحرية ألا تعرف ممارستها، والعراق مثال على ذلك. كما ركز على الحرية العقلية بقوله: «الحرية أعظم إكتشافات العقل البشري المتنامي من معرفة إلى معرفة».
ورأى كمال جنبلاط أن «ممارسة الحرية مشدودة إلى وحدة الحقيقة والحرية وتحقيق الذات فردياً واجتماعياً، أي أنه إتخذ موقعاً وسطياً بين الغربية التي تلغي الجماعة وبين الشمولية السوفياتية التي تلغي الفرد والإبداع وتمنع الإنسان من تحقيق ذاته .

"الأنباء": واشار أيضاً إلى مفهوم الإختيار الحر؟
ـ فحص: صحيح عندما قال: "الحرية الرفيعة هي في إمكان الاختيار الحر لكل شيء". وهنا على رجال الدين والكنيسة التخلص من خوفهم من الحرية لأنها تؤدي إلى الله. كمال جنبلاط لم يخضع للسائد بل كان يحاول أن يرى الماضي بالمستقبل وليس أن يرى المستقبل بالماضي.

ـ فحص: في كل الأحزاب نتمنى ان يرتقي فيها القائد الى مستوى الحزب، إلا الحزب التقدمي الإشتراكي نتمنى ان يرتقي فيه الحزب إلى مستوى القائد.

أود أن أشير إلى ان الدعوة للعلمنة الشاملة في لبنان ملغومة سياسياً وكان وراءها المرحوم الشيخ بيار الجميل، رداً على برنامج الحركة الوطنية. وعلينا ان نخلص العلمنة من النموذج الارسطي للكلمة بحيث ننتج علمانيتنا ودولتنا المدنية من خلال خصوصيتنا الثقافية.