Advertise here

لو كان رفيق الحريري بيننا!

13 شباط 2023 08:15:00

كتب عاصم عبد الرحمن في لبنان الكبير:

صراعٌ سياسي، اشتباكٌ دستوري، جدلٌ قانوني، فوضى قضائية، انهيارٌ اقتصادي، انفلاتٌ أمني، تفتتٌ اجتماعي، انفجارٌ صحي، هستيريا تربوية وغيرها من أوجه السقوط التي تعانيها القطاعات اللبنانية كافة، فقد خلخلتها الهزات الارتدادية التي خلفها الزلزال المالي على مقياس السلطة السياسية الحاكمة والذي سجله لبنان عشية ما سُمِّيَ بـ "ثورة 17 تشرين"، فأي آليات كان ليستخدمها رفيق الحريري في رفع الأنقاض عن كاهل اللبنانيين لو كان بيننا؟

زلزالان ضربا كلاً من تركيا، سوريا ولبنان، الأول ضرب تركيا وسوريا وبلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر فجر الاثنين 6 شباط 2023، وخلَّف حتى كتابة هذا المقال بحدود الـ 30 ألف قتيلٍ عدا عن المفقودين والخسائر المادية التي قدرت بمليارات الدولارات. ووعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإنهاء إعادة الاعمار بعد عام من الآن، وعبّرت هيئة المساعدات في الأمم المتحدة عن إعجابها بسرعة استجابة تركيا للكارثة، واصفةً إياها بالاستثنائية، في الوقت الذي يجول فيه رئيس النظام السوري بشار الأسد فوق ركام مدينة التاريخ حلب المشلعة بأبنائها وأبنيتها، موزعاً ابتساماته يميناً شمالاً يكاد يشرب نخب احتفاله بسقوط أعدائه على مذبح وطن أبى إلا أن يذبِّح أبناءه، يستحْيي نساءه ويحرق تاريخه من أجل تاريخ واهم يرغب غريب ما في إعادة إحيائه على أنقاض مجتمعات مستباحة ونفوس مهدمة.

زلزالٌ آخر ضرب لبنان قبل 18 عاماً في 14 شباط 2005 بلغت قوته 21 شهيداً على مقياس مشروع تغيير وجه لبنان، كان على رأس ضحاياه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي أبى إلا أن يرحل في يوم عيد الحب، لأنه أحب لبنان واللبنانيين حتى الموت.

منذ وقوع زلزال اغتيال رفيق الحريري دخل تاريخ لبنان الحديث مرحلة ما قبل اغتياله وما بعده فتخطت ارتداداته الحدود اللبنانية الداخلية والخارجية واهتزت بفعلها السياسات المحلية، الإقليمية والدولية حول لبنان والمنطقة. استهل رفيق الحريري مسيرة إعادة الإعمار بدءاً من العام 1992 فلملم الجراحات التي خلفها زلزال الحرب الأهلية التي عصفت باللبنانيين طوال 17 عاماً. بنى اللبنانيون آمالهم على بلوغ طموحات كانت مستحيلة حتى ذاك التاريخ، بلغت أحلامهم قمتها بين العامين 1999 و2004، دخلوا الجامعات، افتتحوا الأعمال، اشتروا المنازل، أسسوا العائلات، جالوا العالم وعادوا إلى وطن تحقيق الأحلام تحت ظلال حارس الجمهورية اللبنانية التشاركية وملهم الاستقلال الوطني الثاني.

رفع رفيق الحريري الأنقاض عن كاهل اللبنانيين عبر بناء المدرسة والجامعة والمؤسسة وتعبيد الطرقات وترميم المساجد والكنائس وإحياء المرافق العامة في سبيل إحياء البشر وتأهيل الحجر، عقد المؤتمرات، استقطب الاستثمارات حتى أتى بالعالم كله إلى لبنان الذي أوصله إلى مصاف الدول الحديثة محدِثاً نهضةً لبنانية شاملةً في سرعة قياسية مذهلة.

اليوم وتحت الركام الذي خلفه زلزال الانهيار المالي حيث ترزح غالبية اللبنانيين، يستنجد أبناء الوطن التائهون في دهاليز وطنهم المدمر، المسعف الذي نجح بسواعده في رفع أنقاض ما خلفه زلزال الحرب الأهلية، يؤمنون بأنه لو كان رفيق الحريري بيننا لحرَّك آلية علاقاته الدولية وحنكته السياسية وأجنحته الوطنية وأمسك بأيدي جميع اللبنانيين ونفض عنهم ركام الدمار الذي أحدثته الطبقة السياسية بمكابرتها عن التنازل لصالح مواطنيها وبفشلها في اجتراح الحلول للأزمات التي استفحلت بين أيديها، وعجزت عن إمساك يدٍ واحدة أمسك بها يوماً رفيق الحريري الذي نوديَ بالأب والأخ والسند.

ظلَّ رفيق الحريري يرفع الركام عن رؤوس اللبنانيين الذي خلفه زلزال الحرب الطائفية التي عصفت بلبنان، وفي الوقت الذي كان يعيد لبلده وجهه الحقيقي أخوَّةً وعروبةً، أسقطه زلزال مشروع تغيير هذا الوجه الذي يرفضه معظم اللبنانيين، فسالت دماؤه في شوارع بيروت علها تهدئ من روع الهزات الارتدادية التي أحدثها زلزال اغتياله. فهل يعود لبنان الذي استشهد في حبه أم للمشروع الظلامي جولة أخرى قبل إحقاق الحق والحقيقة؟