Advertise here

الزلازل والسياسات الرعناء!

11 شباط 2023 07:03:19

أمام هول المأساة الإنسانيّة، تسقط كل الاعتبارات السياسيّة وغير السياسيّة ويُستعاد الحسّ الإنساني الذي فُقد في جوانب كثيرة من الحياة البشريّة التي صارت أسيرة الآلة الصناعيّة والحربيّة وضحية النزاعات والحروب والمسارات التي لا تكترث سوى للربح التجاري والمقاربات المركنتيليّة.

هول الفاجعة التي خلفها الزلزال المدمر الذي طاول جنوب تركيا وشمال سوريا يُذكّر الإنسان بضعفه أمام أهوال الطبيعة وغضبها الذي لا يمكن التنبؤ بمآلاته وأحجامها ومواقيتها.

وإذا كان الكشف عن وقوع الزلازل قبل حصولها يلامس الاستحالة العلميّة وفق الخبراء وعلماء الأرض والجيولوجيا؛ إلا أن حالة الإنكار الدولي للتغيّر المناخي المضطرد وإنعكاساته الخطيرة على واقع الكرة الأرضيّة من شأنه أن يؤجج المخاطر المتأتية عن كثافة الانبعاثات السامة والتلوث الهائل الذي تتحمّل مسؤوليته بالدرجة الأولى الدول الصناعيّة الكبرى "المتقدمة".

ولكن، من يدفع الثمن هو العالم برمته بدوله الفقيرة والمعدمة والنامية والمتطورة على حد سواء. ليست الحرب التجاريّة المستعرة بين الولايات المتحدة الأميركيّة والصين سوى أحد أبرز مسببات التلوث. الدولتان مسؤولتان عن القسم الأكبر من الانبعاثات السامة تليها الدول الصناعيّة الأخرى.

القمّة المناخيّة الأخيرة التي عُقدت منذ أشهر في شرم الشيخ بقيت قاصرة عن تقديم الحلول الجذريّة المطلوبة لمشكلة التغيّر المناخي في ضوء تخلّف الدول الكبرى عن الإيفاء بالتزاماتها البيئيّة للحد من أنشطتها الملوثة بصورة هائلة.

بكل بساطة، الدول الكبرى ومن خلفها الشركات الدوليّة العابرة للقارات لا تكترث لما ينتج عن أنشطتها من تلوث على مستوى الكرة الأرضيّة قاطبة، ولا تشعر بالذنب حيال الشعوب المقهورة والفقيرة التي تدفع الأثمان من دون أن يكون لها ذنب في ذلك! وما الفيضانات والأعاصير وموجات الحر والصقيع والأمطار التي تشهدها بعض الدول بما يخالف مساراتها المناخيّة التقليديّة سوى دليل على حجم الأضرار التي تتكبدّها البشريّة جراء تلك السياسات الرعناء.

لا بل تخيّلوا أن الدول الكبرى، لا سيّما الولايات المتحدة وروسيا والصين، تستعد لمنافسة جديدة للسيطرة على الممرات البحريّة في القطب الشمالي والتي سوف تصبح متوافرة للسفن التجاريّة بعد عقود قليلة نتيجة ذوبان الطبقات الجليديّة هناك!

التجارة قبل البيئة، والمال قبل الأخلاق وكل ما عدا ذلك هو مجرّد كلام للاستهلاك السياسي والشعبي!

لعل مشاهد الدمار وصور إنتشال الجثث من جنوب تركيا وشمال سوريا يعيد الاعتبار الى المشاعر الإنسانيّة بعد انقراضها في غياهب السياسة الرخيصة!