Advertise here

المشروع الإسرائيلي: آخر الاحتلالات!

08 شباط 2023 07:58:30 - آخر تحديث: 08 شباط 2023 07:58:31

يخالف المشروعُ الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين كلَّ حدود المنطق والتاريخ والجغرافيا. لا يمكن في نهاية المطاف أن تتمكَّنَ مجموعة تعلن دولة على أرض سواها بالقوة، وتتغاضى عن وجود شعب يسكن تلك الأرض فتنكّل به وتهجره من أرضه، وتدّعي أنها ديمقراطيّة، لا بل الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط.
مهما طال الزمن، لا مفر من أن يصح الصحيح في لحظة تاريخيّة ما، ويسقط المشروع الإسرائيلي القائم على تطبيق متتالٍ لسياسات الفصل العنصري، الذي أخذ منعطفات خطيرة في السنوات الماضية، والذي يناقض بدوره حقائق التاريخ والجغرافيا والمنطق.
المشكلة مزدوجة في قراءة قضيّة فلسطين:
الأولى تتمثّل في مواصلة إسرائيل تنفيذ مخططها لإقامة دولتها الكبرى، والتغاضي التام عن أي حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني وفي طليعتها حق تقرير المصير وحق إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين. وها هو الاحتلال الإسرائيلي يمعن في مخالفة قرارات «الشرعيّة الدوليّة» التي امتنع عن تنفيذها لعقود، ويواصل تغيير الوقائع الميدانيّة على الأرض لمصلحته وسط التغاضي الأميركي، لا بل الدعم الأميركي.
الثانية تتمثّل في استمرار الانقسام الفلسطيني العميق الذي يحول دون توحيد الجهود بالحدود الدنيا لمواجهة المشروع الإسرائيلي. وعلى الرغم من الخسارة الاستراتيجيّة التي تُسجّل نتيجة هذا الانقسام؛ فإن لا حلول تلوح في الأفق وقد جرت العديد من المحاولات لتحقيق المصالحة الفلسطينيّة - الفلسطينيّة كان آخرها قبل قمّة الجزائر، إلا أنها دائماً كانت تعود لترتطم بالحائط المسدود، نتيجة الخلاف الجوهري بين السلطة الفلسطينيّة وحركة «حماس».
وثمّة أزمة أخرى يعيشها المجتمع الفلسطيني تتمثّل في حالة الانقسام الجغرافي الذي يعكس الانشقاق السياسي، وهذا الانقسام يسلك في تعميق الهوة بين الضفة الغربيّة وأهلها وبين غزة وأهلها. وكأنه لا يكفي أن ترزح فلسطين برمتها تحت الاحتلال، فإذ بالمناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينيّة تنشطر على ذاتها وتبني جدراناً نفسيّة فيما بينها تكاد لا تقل سوءاً عن جدار الفصل العنصري الإسرائيلي.
لا مفر من إعادة صياغة خطاب وطني فلسطيني جامع يتجاوز الثنائيّات وصراعاتها المؤذية للقضيّة والهوية التي تهز مسارات الصراع الأساسي وهي المتعثرة أصلاً، ويفسح المجال أمام إشراك هيئات جديدة لا سيّما الشبابيّة منها التي وُلدت بعد اتفاقيّة أوسلو (1993) والتي لم تعد تكترث بالأدبيّات الفلسطينيّة التقليديّة وبعضها قد تحوّل إلى «كليشيهات» غير ذات جدوى، وهي خارج السياق السياسي والزمني والمنطقي.
من ناحية أخرى، لا بد من التفكير في كيفيّة البناء على التحولات الداخليّة الملحوظة وغير المسبوقة في الولايات المتحدة، لا سيّما على ضوء الخلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حيال قضيّة فلسطين، مع نسمات التغيير في المواقف الديمقراطيّة التي، وإن كانت لا ترقى إلى أن تؤسس لتغيّر جذري أو خروج من دائرة الانحياز التاريخي لإسرائيل، يمكن أن تشكّل نقطة بداية لعمل دؤوب مطلوب من مجموعات الضغط العربيّة في واشنطن.
وتتماشى هذه التغيّرات المطردة، ولو البطيئة، مع تحوّل في مفهوم الرأي العام الأميركي حيال قضيّة فلسطين من الشعارات القديمة المرتبطة بحل الدولتين، وتنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة واللاجئين والحدود وسواها من الشعارات الكبرى، إلى النظر إليها على أنها قضيّة عدالة اجتماعيّة تشبه إلى حد ما قضايا العدالة الاجتماعيّة داخل الولايات المتحدة، مثل حق السود في الحياة وسواها من العناوين المشابهة.
بطبيعة الحال، من غير المتوقع أن يدفع هذا الأمر نحو تغيير بنيوي في السياسة الأميركيّة حيال قضيّة الشرق الأوسط التي لم تكن أساساً في سلم أولويات الإدارة الأميركيّة الحالية برئاسة جو بايدن، بعكس الإدارة السابقة بقيادة دونالد ترمب التي اتخذت خيارات لم تكن منعزلة تماماً عن الصراع الذي يعود لها وحدها أن تلعب دور الوسيط بحكم موازين القوى الدوليّة، وتركزها في القطب الواحد الذي استعاد انتعاشه مع الغرق الروسي في الوحول الأوكرانيّة التي لا يبدو أن انسحابه منها سيكون وشيكاً.
من الواضح أن الشرخ الداخلي الأميركي العميق، والعلاقات المضطربة مع الصين، والحرب الروسيّة على أوكرانيا، تتصدّر اهتمامات الإدارة الأميركيّة لا تضع قضيّة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في مقدمة أولوياتها ما لم يتصاعد الوضع سلباً في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة التي تشهد حالة غليان على خلفيّة الاستفزازات الإسرائيليّة التي تمارسها رموز اليمين المتطرف.
باستثناء هذا المعطى، واشنطن لم تكترث عمليّاً إلا إلى توفير إمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا، ولذلك ضغطت بشكل كبير لإنجاز ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل كي لا تحصل أي حالة من عدم الاستقرار تعرقل جهود استخراج النفط التي بدأت فوراً من قبل إسرائيل (ولبنان متأخر كالعادة).
في الختام، لا يمكن القبول بالنظريّة التي تروّج لها إسرائيل نفسها بأنها ديمقراطيّة، وفي الوقت ذاته صرف النظر عن سياساتها العنصريّة في فلسطين. هذه تناقض تلك والتاريخ سيحكم في نهاية المطاف.