Advertise here

لبنان مقمرة ومقبرة: سوق سوداء بالسياسة والقضاء أيضاً

06 شباط 2023 08:15:00

لبنان مقمرة مفتوحة. ومقبرة لأحلام وطموحات. المقامرة مشرّعة من المصرف المركزي، إلى المصارف ومنصة صيرفة، مروراً بصرّافي الزواريب والدساكر. وفي المقامرة طبقات وفئات. من فئة الصرافين الكبار الذين يزودهم المصرف المركزي بالدولار نقداً، وبكميات كبيرة من الليرة اللبنانية، يوزعون في السوق على هواهم. يبتاعون الدولار فيعيدون جزءاً منه إلى المصرف المركزي والجزء الآخر ربح صاف لهم. من تحتهم فئة أخرى، صرافو الشنطة على الطرقات. طبقة أخرى قائمة بذاتها هي طبقة الموظفين والعسكريين الذين يتدافعون بمبالغ هائلة إلى المصارف للاستفادة من منصة صيرفة، وشراء الدولار بسعر 42 ألفاً وبيعه في السوق بسعر 60 ألفاً مثلاً، في عملية مشرّعة من مراجع عليا، على رأسها حكومة وحاكم.

لعبة الميسر
كان رياض سلامة محقاً عندما قال في بداية الأزمة لدى سؤاله عن مصير اللبنانيين مع جنون سعر صرف الدولار فأجاب: "بكرا بيتعودوا". اعتاد اللبنانيون سريعاً لعبة الميسر، وهم الذين خبروا البيع والشراء، ونشأوا على خلفية "ثقافية" يتغنّون بفينيقيتها حول التجارة والترانزيت والسيطرة على ممرات البحار، فنمى في داخل كل واحد منهم "هنيبعل"، ولو احترقت كل المدن، فلا بأس من إحراقها لإشعال السجائر. تحول معظم اللبنانيين إلى مضاربين على الليرة، أو تجار بالعملة الخضراء، ولذلك يسارعون إلى المطالبة بدولرة السوق والتخلي عن الليرة. إنها اللعبة التي يشتهونها في سبيل الالتفاف على الأزمة.

وتبدأ المضاربة من رأس الهرم، بتشريعات وتعميم أسعار مختلفة للدولار، في التعليم، الطبابة، المحروقات، وحسابات وودائع ما قبل 17 تشرين 2019، ورواتب الموظفين، وسعر صيرفة، واستيفاء الضرائب. يُنظر لذلك بأنه من مميزات اللبنانيين وامتيازاتهم، في تعميم أكثر من سعر لـ"الأخضر". فجأة تتوقف صيرفة، وبعدها تفرض عقوبات على إحدى الشركات كرسالة للحاكم. يزجر الرجل في مكافحة السوق السوداء، كمن ينقلب على نفسه، يرفض التدخل بالسوق، يشترط مكافحة صرافي الشنطة بخطة أمنية، ليتدخل في سبيل تخفيض السعر. تزدهي الحكومة بالاقتراح. يجده الأمنيون مناسبة وفرصة، لاستبدال مكافحة داعش، والتنظيمات الإرهابية، باستخدام العصا وطرْقِها على رأس جورج واشنطن، لعلّه ينخفض مطقطق الرأس.

فرصة أجهزة الأمن
والفرصة أبعد وأمضى. فاللحظة سانحة لأجهزة الأمن، في التواري عن قضية تفجير المرفأ، وعن الصراع حول التحقيقات وآليات حماية المحقق في القضية، أو سعي الآخرين لتوقيفه ومساندة قاض آخر. فبذلك تضيع القضيتان، وتفتح الفرصة أبواباً لتمرير التمديد لقادة الأجهزة، فهم يسهمون في تخفيض سعر الصرف، ولا بد من مكافأتهم. ثمة من يستعجل لإجراء التوقيفات، لإثبات الحضور والدور، واكتساب المزيد من الدورات، وآخرون يسارعون إلى الإبحار للالتحاق بسفينة الترقي، لأن التمديد لأحدهم قد يحجب عنهم فرصة التبوؤ مكانه. الدولار وحده قد يكون المعبر من طابق إلى آخر.

بذلك تحول لبنان إلى ساحة للمقامرة. يقامر اللبنانيون بأسعار الصرف، وهم بين أيدي من يقامرون بمصير ومستقبل. ولا بأس إن كان الصوت عالياً، لعلّ من يجتمعون في باريس يستمعون إلى تلك الإجراءات. لتأبيد المقمرة، وتوسيع المقبرة. في مثل هذه الحال تغدو الأحلام معلّقة على تطبيق سعر الصرف، فيصبح الانخفاض دافناً للأمل، أما ارتفاعه فمبعثاً للحلم. ولا بأس من تحول البلاد كلها إلى سوق سوداء، ليس في المال فحسب، بل في السياسة، وانتخابات الرئاسة. داخل البرلمان وخارجه، تأسيساً لجلسة التشريع على قاعد خذ وطالب. إلا أن من يحتل المركز الأول في أسواق الليل يبقى القضاء من دون منازع.