Advertise here

‎لا تقتلوا التربية لا تقتلوا المستقبل

03 شباط 2023 12:44:41 - آخر تحديث: 03 شباط 2023 13:31:25

تتوالى الانهيارات في القطاع التربوي منذ جائحة كورونا وحتى كارثة الانهيار الاقتصادي التي يعاني الشعب اللبناني من توالي فصولها هذه الأيام، دون أن  تلوح في الأفق المنظور أية بادرة لوقفها.


مئات آلاف الطلاب في البيوت والشوارع، ولَم يَرَ كبار المسؤولين في الأمر غضاضة. وحده وزير التربية يحاور ويتابع مع أركان الدولة ومع الدول المانحة، ليؤمن الحد الأدنى من مطالب المعلمين وحاجات المدارس والجامعة اللبنانية. ورئيس الحكومة تحول بينه وبين عقد جلسة لمجلس الوزراء تخصص لإقرار متطلبات الملف التربوي، سفسطاتٌ ميثاقية ومطالباتٌ بحقوق مزعومة للطوائف، هي أدنى وأصغر بكثير من حقوق أطفال لبنان في التعلم التي نصّت عليها وكفلتها شرعة حقوق الطفل الموقّعة من قادة العالم في إطار الأمم المتحدة سنة 1989. 

يوم كانت القذائف تتساقط على العاصمة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، سأل "ونستون تشرشل" عن المدارس والمحاكم، فأجابه مساعدوه: "إنها تعمل بشكلٍ طبيعي". فقال لهم: "إذاً، لا تخافوا على بريطانيا". وحين أراد حكام ألمانيا أن يُطلقوا مسيرة نهوض بلادهم المدمرة بعد الحرب، لم يجدوا وسيلةً لذلك أفضل من دعم المعلم وإصلاح التربية. 

لا تنهض الأمم إِلَّا بعقول أبنائها، ولا تنهار إِلَّا عندما يحكمها الجهلاء، وتشيع فيها الأميّة ويعم الجهل. فكيف يستسهل حكّامنا التفرج على الهيكل التربوي ينهار في بلد الحرف والإشعاع والنور كما يرددون، ولا يطلقون صفّارة الإنذار كي يتخلّى الجميع عن انانياتهم ومحاصصاتهم ومصالحهم،  ويهبّون لإنقاذ التربية من الدّرك الذي انحدرت إليه؟. 

إنّ جريمة التسبب في هذا الحريق التربوي والتغاضي عن إخماده، لا توازيها إِلَّا جريمة "نيرون" حين أحرق روما وراح يتلذّذ في رؤية هذا الحريق يشتدّ ويمتد.

فيا أولياء الحل والربط، أتركوا لنا نافذة أمل واحدة في هذا الزمن الرديء الذي أخذتم بلدنا إليه. أتركوا لنا الأمل بالمستقبل بعد أن دفنتم حاضرنا تحت ركام بلدنا المنهار. هؤلاء الأطفال والشباب هم أمل المستقبل، فاتركونا بلا كهرباء إذا شئتم، وبلا ماء إذا عجزتم، وحتى بلا دواء إذا تجرّأتم، ولكن لا تتركونا بلا مستقبل، لا تقتلوا فينا الحلم الذي لم يبقَ لنا غيره بعد أن قتلتم كل شيء. فالتربية تستحق جلسةً لمجلس الوزراء تُقرُّ فيها مطالب المعلمين الذين لم تعد أدبيات الرسالة كافيةً لإطعام أبنائهم، وتطبيب أهلهم، وتأمين المحروقات اللازمة لانتقالهم إلى مراكز عملهم. فهذه الجلسة هي أهم بكثير من الجلسات التي تُخصّصُ لسلف الكهرباء التي لا تأتي، والتي لا قعر لها على حدّ قول رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط.  

إنّ التربية هي مستقبل الوطن، ودور المعلّم فيها هو البناء لا الهدم، فغداً عندما تنتهون من منازعاتكم وحقوق طوائفكم ، وتسقطون الهيكل بكامله فوق رؤوسنا، لن تجدوا من يعيد بناء  ما تهدّم غير المعلم، الذي ينشئ الأجيال، ويبني العقول والنفوس التي تصنع مستقبل الأوطان وتحيي الأمل عند الشعوب، فلا تديروا ظهركم إليه الْيَوْمَ حتى لا تصبحوا غداً على ما فعلتم نادمين.

*المدير العام السابق لتعاونية موظفي الدولة ومستشار وزير التربية والتعليم العالي سابقاً