Advertise here

حراك جديد على السّاحة الليبيّة

01 شباط 2023 08:09:24

أحد أهداف زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن للمنطقة، كان تحريك الجمود الذي أصاب ملف حل المشكلة الليبية، وهو ما سعى إليه بلينكن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة الإثنين الماضي، إضافة لبحثه معه في الملفات الهامة الأخرى، ومنها تحديداً تجدُّد التوتر في الأراضي العربية المحتلة من جراء تمادي إسرائيل في اعتداءاتها على المقدسات وضد المدنيين الفلسطينيين، ورد هؤلاء بعمليات مقاومة ضد العدوان.

ومن الواضح أن هناك اهتماماً أميركياً مستجداً بالساحة الليبية له أبعاد استراتيجية تتعلَّق بالصراعات الدولية. وكانت زيارة مدير الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" وليم بيرنز في منتصف كانون الثاني (يناير) لليبيا قد أضفت أجواء جديدة، وخلطت بعض الأوراق، وفتحت الأبواب على مقاربات مختلفة، قد يكون أهمها؛ الدفع باتجاه تدويل الأزمة الليبية بالكامل، بعدما كانت التأثيرات الدولية والإقليمية جزءاً محدوداً من العوامل التي شجَّعت على الانقسام. ويبدو أن الاهتمام الأميركي المستجد عجلت فيه زيادة نفوذ مجموعات "فاغنر" العسكرية الروسية، وهو أيضاً محاولة لتقويض نفوذ روسيا في ليبيا، وعلى درجة أقل محاصرة الدور التركي، وجعل ليبيا من ضمن رقعة الحضور الأميركي والغربي في مواجهة توسُّع نفوذ الصين وروسيا في القارة السمراء، ومعالم هذا التوجُّه الأميركي الجديد كانت واضحة في مداولات مؤتمر القمة الذي عقد بتاريخ 13/12/2022 في واشنطن، بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن وخمسين وفداً أفريقياً من شخصيات رفيعة المستوى، بينهم رؤساء ووزراء خارجية وقادة الاتحاد الأفريقي.

 

والمعلومات الشحيحة التي تسرَّبت عن زيارة بيرنز – وهو الخبير في شؤون الشرق الأوسط - أكدت خيار وقوف واشنطن إلى جانب حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، ومن الواضح أنها ردت الجميل لهذا الأخير، لأنه تعاون مع السلطات الأميركية في تسليم الضابط السابق مسعود أبو عجيلة المتهم بالوقوف وراء تفجير الطائرة المدنية الأميركية فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية عام 1988. وبيرنز التقى الدبيبة ومحافظ البنك المركزي ومدير المخابرات العامة في طرابلس، وتجاهل لقاء رئيس حكومة الاستقرار الوطني فتحي باشاغا، وهي الحكومة التي تحظى بثقة البرلمان المنتخب، برغم أنه زار مدينة بنغازي التي فيها باشاغا وسط البلاد، وقد اجتمع هناك مع القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر. ونُقل عن بيرنز رفضه لتأليف حكومة جديدة مؤقتة تشرف على الانتخابات المرجوة، معتبراً أن حكومة الدبيبة قادرة على القيام بهذه المهمة.

 

المباحثات التي حصلت في القاهرة منتصف الشهر المنصرم بين رئيس المجلس الرئاسي المؤقت محمد المنفي والمشير حفتر بحضور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح؛ حملت مجموعة من المؤشرات الجديدة أيضاً، وقد توافق المجتمعون على إيجاد حل لعقدة ترشُح العسكريين للمواقع السيادية في الانتخابات، كما حسموا النقطة الخلافية حول عدم قبول ترشيحات الذين يحملون جنسية ثانية إلى جانب الجنسية الليبية للمواقع الرئاسية، على أن يتم الإعلان عن التعديلات على الوثيقة الدستورية في المؤتمر الوطني للمصالحة الذي كان قد أطلق التحضير له الرئيس محمد المنفي، في الاجتماع الذي عقد في طرابلس في 11 كانون الثاني (يناير) الماضي، وحضره ما يقارب 150 شخصية يمثلون أطيافاً وجمعيات جهوية متنوعة، وشارك فيه عبر الشاشة من القاهرة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.

 

مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا عبد الله باتيلي قال إن القادة العسكريين في ليبيا يقومون بعمل بطولي أدى إلى تثبيث وقف إطلاق النار، وهؤلاء يعملون مع مندوبين عن حكومات السودان والتشاد والنيجر لإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب الموجودين على الأراضي الليبية، وضبط حركة الانتقال غير الشرعي عبر الحدود الجنوبية. ويتعاون ضباط القوى الليبية المختلفة مع باتيلي ومع خبراء من القوات التركية وقادة شركة "فاغنر" الروسية لسحب أتباعهم إلى خارج البلاد.

 

مقابل هذا الحراك المستجد؛ تبرز مواقف محلية ودولية تحدّ من منسوب التفاؤل بقرب الاتفاق على حل، ومنها اعتراض قيادات مدينة مصراتة في الغرب على الاجتماع الحواري الذي عقد في طرابلس بدعوة من محمد المنفي، وهذا الاعتراض له تأثير كبير نظراً لعدم قدرة أي حراك على تجاهل قوة تأثير مدينة مصراتة الاستراتيجية في المعادلة الليبية، والاشتباكات التي حصلت في محيط مطار طرابلس بعد الاجتماع المذكور أعلاه؛ يؤكد صحة هذا التشخيص، لأن ميليشيات مصراتة هي الأقوى داخل حرم المطار المتوقف عن العمل منذ 2014.

 

ومن الواضح أن عبد الحميد الدبيبة لا يؤيد تأليف حكومة جديدة تشرف على الانتخابات المتوقع حصولها في الصيف المقبل، ويعتبر أن حكومته تألفت في 5 شباط (فبراير) 2021 للقيام بهذه المهمة، والمهمة المناطة بها لم تنتهِ بعد، برغم أن البرلمان أسقط الثقة عنها، واحتضن حكومة جديدة تألفت في الشرق برئاسة فتحي باشاغا. والدبيبة يعاني مشكلات واسعة، ولا يستطيع ترك الحكم حالياً، وبالتالي الانكشاف أمام القضاء الذي دان حكومته بمخالفات مالية، وهناك هجمة سياسية تستهدفه على خلفية تسليمه المتهم بتفجير طائرة لوكربي للسلطات الأميركية، رغم حصول تسوية على العملية كلفت الخزينة الليبية أكثر من 3 مليارات دولار.