Advertise here

"خطة للتسوية" في باريس ومهمة قطرية مع إيران... تصعيد باسيل لقطع طريق الرئاسة أمام عون وفرنجية!

30 كانون الثاني 2023 07:15:00

لم يكن تصعيد رئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل مفاجئاً في ظل التطورات الخارجية  حول الملف اللبناني والانقسامات الداخلية في ما يتعلق بالشأن الرئاسي والحكومة، فهو رفع السقف إلى حد يعتبر البعض انه كرّس شبه افتراق عن "حزب الله" ملوّحاً بقلب الطاولة من خلال ترشحه لرئاسة الجمهورية. اللافت كان مهاجمته قائد الجيش جوزف عون لقطع الطريق أمام تبنيه مرشحاً للرئاسة، معتبراً أنه "يخالف القوانين ويتصرف على هواه بالملايين". لكن تصعيد باسيل لا يُقرأ فقط من زاوية داخلية، فما يجري على المستويين الإقليمي والدولي يؤشر إلى تعاطٍ جديد مع الوضع اللبناني يسعى بالدرجة الأولى إلى كسر الحالة المقفلة ومحاولة وقف الانهيارات المتتالية من دون أن يعني أن الخارج يضغط للوصول إلى حل نهائي للأزمة اللبنانية نظراً لتشعباتها وتشابك مصالح أكثر من طرف خارجي فيها.

استبق باسيل الاجتماع الرباعي أو الخماسي المقرر في العاصمة الفرنسية الشهر المقبل، ليعلن رفضه تكرار تجربة 2005 معارضاً فرض مرشح رئاسي، بعدما تنازل عن ترشيح نفسه. ويوحي كلامه بأن شيئاً ما يُطبخ على الصعيد الدولي، أو وجود مؤشرات تدل على أن الوضع اللبناني أدرج على مشرحة البحث من قبل عدد من الدول تسعى إلى تركيب وعاء داخلي لانجاز الاستحقاقات ووقف التدهور المالي والاقتصادي. لكن الحراك الدولي لا يعني أن لبنان وضع على سكلة حل أزمته السياسية والمالية، فذلك يحتاج إلى تذليل العديد من العقبات، خصوصاً الاستعصاء الإيراني المتمثل بدور "حزب الله" والاتفاق معه على اسم المرشح الرئاسي وعدد من الملفات الاخرى، وهو ما يحتاج إلى تسوية عبر تقديم تنازلات سياسية لم تنضج بعد أو هي مرتبطة بحسابات محلية وإقليمية.

كاد الوضع في البلد أن يصل الأسبوع الماضي إلى حافة الانفجار الأهلي ومعه حالة من الفوضى الشاملة، على خلفية التحقيق في انفجار المرفأ. سارع الجميع إلى التهدئة واجتناب التفلت الذي يمكن أن يقضي حتى على مكاسب الطبقة السياسية ومحاصصاتها، فجرى الاتفاق على وضع التحقيق في انفجار مرفأ بيروت جانباً وطويت صفحة التصعيد، في انتظار جلاء التطورات على المستوى الخارجي، بحيث يبقى القرار الاتهامي للقاضي طارق البيطار معلقاً إلى حين استيعاب الانقسام داخلياً وفي القضاء. لذلك يترقب الجميع بما سيخرج عن اجتماع باريس الذي تغيّر جدول أعماله وفق مصدر سياسي متابع، حيث يتوقع أن يستمر إلى أكثر من يوم إذا كانت هناك حاجة لذلك، وتعقد خلاله جلسات لوفود الدول المشاركة، جماعية وثنائية، بهدف تقريب المواقف للتمكن من وضع خطة عمل واضحة سياسياً لمسار تسوية الأزمة اللبنانية. ويوضح المصدر أن اتصالات تجري بين الدول المشاركة للوصول إلى رؤية مشتركة، خصوصاً وأن المشاركة لن تكون على مستوى رفيع لكنها ستحدد الوجهة السياسية للوضع اللبناني لرفعها إلى وزراء خارجية الدول الأربع، أي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر، فيما المراهنة الأساسية هي على تمثيل الولايات المتحدة وما إذا كانت مهتمة فعلاً اليوم بدفع التسوية اللبنانية إلى الامام. أما الخطة التي ستبحث وفق الرؤية المشتركة، فهي لتحديد مسار انجاز انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وتسوية عدد من الملفات العالقة.

هناك سباق بين التسوية والانفجار، في الداخل والخارج، فالدول المشاركة في اجتماع باريس تدرك أنها لا تستطيع أن تبلور خطة حل شامل للوضع اللبناني من دون الاتفاق مع إيران، وهو أمر سيحدث بعد اللقاء، علماً أن هناك اتصالات تجري مع طهران تتولاها قطر للوصول إلى توافق حول لبنان من ضمن وساطة تقوم بها حول عدد من الملفات الإقليمية بالتفاهم مع الولايات المتحدة، وفق ما بُحث في لقاء وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والقطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

لذا لا يمكن لأي بحث خارجي في الشأن اللبناني أن يصل إلى نتائج لبنانية من دون إيران، وهذه الاخيرة منحت الغطاء لـ"حزب الله" لتحصين موقعه، بالتناغم مع تطورات المنطقة ومنها احتمال استئناف الحوار الإيراني – السعودي، وما يمكن أن يحمله للوضع اللبناني، وربط اي تسوية داخلية لبنانية بالتقدم على المحور الإقليمي. ويبدو وفق المصدر السياسي أن قطر ستتولى متابعة الاتصالات مع إيران و"حزب الله" للتوصل إلى توافق حول الملفات اللبنانية خصوصاً الرئيس، علماً أن اجتماع باريس لن يبحث في الأسماء. والدليل على الدور القطري وتنسيقه مع الولايات المتحدة وما يحمله من مؤشرات هو توقيع اتفاق الشراكة للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين  4 و9 في المياه اللبنانية، بين شركة قطر للبترول وشركتي توتال الفرنسية وايني الإيطالية، وهو أمر لا يحدث عادة وفق المصدر من دون تغطية دولية خصوصاً أميركية بعد اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.

سيؤكد اجتماع باريس، وفق المصدر على اتفاق الطائف والالتزام بالقرارات الدولية وسيشدد على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة يحظيان بثقة المجتمع الدولي وإنجاز إصلاحات اقتصادية. وهي نقاط وردت في مبادرات سابقة من بينها الورقة الخليجية والمبادرة الكويتية، ويسعى المشاركون في الاجتماع للوصول إلى رؤية تحدد مواصفات الرئيس والحكومة. لكن النقطة المهمة التي يشير اليها المصدر السياسي أن لقاء باريس سيكون مفصلياً لجهة التفاهم أو عدمه حول الرؤية العامة للوضع اللبناني، فإذا سارت الامور بعكس الاجواء الإيجابية، فإن الوضع اللبناني سينزلق إلى هاوية جديدة من الانهيار بحيث لا يعود ممكناً انتشاله من الجحيم. ولذا لا يستبعد المراقبون أن يلوح اجتماع باريس بعقوبات ما لم تتقدم العملية السياسية في لبنان، أو تبين أن استعصاء الممانعة خصوصاً "حزب الله" ورفضها للتفاهم سيعقد مسارات التسوية.

يبقى السباق الداخلي على تحسين مراكز القوى وتعديل الموازين اللبنانية في ظل الانقسام السياسي الخطير بين القوى الطائفية. فتصعيد باسيل ورفع سقفه السياسي وتلويحه بالفدرالية تحت عنوان حقوق المسيحيين، وان كانت غير ممكنة نظراً لتشابك المصالح والتداخل بين القوى الحاكمة، هي رسائل لقطع الطريق أمام اختيار رئيس للجمهورية بأخذ من رصيده السياسي، لذا كان واضحاً في رفضه لقائد الجيش لاعتبارات متعلقة بجمهور العونيين، وهو يلتقي مع "حزب الله" في ذلك، وان كان لأسباب مختلفة، لكنه يتعارض معه في الموقف من سليمان فرنجية ويتخوف من طرح اسم وحيد للرئاسة، وان كانت تجربة ايصال ميشال عون في 2016 كانت ترتكز إلى المرشح الوحيد أو تعطيل البلد. أما "حزب الله"، فيشكل الاستعصاء الأول أمام اي تسوية داخلية وخارجية للوضع اللبناني، مع اجتماع باريس أو من دونه...