Advertise here

لبنان على فوّهة بركان... والدولة في "كوما"

26 كانون الثاني 2023 07:23:26 - آخر تحديث: 26 كانون الثاني 2023 10:23:24

هو القلق العارم نعيشه. محتجّون يقطعون الطرق. حقّهم. البنزين بأكثر من مليون ومثله المازوت والغاز على المسار نفسه. الدولار طاير طاير. والقضاء فارط فارط. خطاب الكراهية يزيد. والمتاهات لا تعدّ ولا تحصى. لا كهرباء لا مياه لا دواء لا طحين. و»التجويع» يستمرّ. إنّها الإبادة الجماعية. إنّه القلق العارم الذي يطلّ فيه من يقول: ترقّبوا إنفجاراً أقوى وأشدّ من انفجار النيترات. و»الدولة»؟ مثل النعامة رأسها في التراب.

«فلت الملق». وكلّ الأمور خرجت من كلّ الأيدي. و»الليلة لن تمرّ على خير... أنجزوا أعمالكم واذهبوا الى منازلكم باكراً». سيمفونية تتكرّر. عادت رائحة الدواليب المحروقة قوية لكن يبدو أن مناعة اللبنانيين أصبحت أقوى من كل الروائح الكريهة. ما زال أهل لبنان يحاولون الصمود. لكن كيف؟ كيف يتمكّنون من الإبتسام والحراك في ظلّ كل هذه الظروف المشحونة؟ سؤال يُحيّر الجميع الى أن يتذكروا أن الطير يرقص مذبوحاً من الألم.

أحدهم ردّد من زمان، منذ أكثر من عام: «بعدنا باللوج». صحّ كلامه لأننا يوماً بعد يوم ننزل الى دركٍ لا نهايات له. فهل علينا أن نقلق بعد وبعد؟ 24 في المئة من اللبنانيين يعيشون دون الدولارين ونصف الدولار في اليوم. و27 في المئة يعيشون في فقر. و25 في المئة «مدبرين حالن». الطبقة الوسطى انتهت... «أفّ على هالعيشة!» هو لسان حال كل من يعيشون في البلد من طيّبي القلوب. 

نستيقظ عند الصباح. ننزل الى العمل؟ البنزين نار، لكن سننزل. ماذا لو أقفلوا الطرقات؟ ماذا لو أحرقوا دواليب؟ ماذا وماذا...؟ المياه مقطوعة. الكهرباء مقطوعة. صاحب المولد الكهربائي أرسل للتوّ رسالة هاتفية عبر واتساب يُخبر «المشتركين الكرام»: «أن الوضع غير سويّ وفواتير المولد تُدفع فقط بالدولار». تنهمر المشاكل قبل «طلوع الضوّ» وكلّما تقدم النهار عامت المشاكل أكثر فأكثر. نصغي الى عناوين الصحف: القلق هو العنوان والبقية تفاصيل. 

رجال يدردشون حول آخر الأحداث وهم «يتنزّهون» تحت شمس كوانين وفي أيديهم ربطات خبز زاد ثمنها وقلّ وزنها. ننصت إليهم. إنهم يتحدّثون عن القاضي طارق البيطار. لماذا قرّر أن يعود اليوم؟ سأل أحدهم فردّ عليه آخر: ولماذا لا يعود اليوم؟ تدخّل ثالث لحلّ إشكال يكاد يحصل قائلاً: «هل سمعتم آخر أخبار النواب المعتصمين في المجلس؟»، يقلب «الجيران» شفاههم وكأن الموضوع لا يعنيهم.

الطرقات تقطع تباعاً. المستديرات عادت الى الإقفال. الأخبار تتتالى. الناس قلقون. فماذا يحدث؟ وماذا قد يحدث؟ هل دخلنا في المتاهة؟ القاضي طارق البيطار قال قبل شهرين، وهو مكفوف اليدين: «إن أموراً أكثر صعوبة سيمرّ فيها التحقيق واتّكاله لن يكون إلّا على الله وحده». 

وصلنا الى «الأكثر صعوبة» واتّكال القاضي وسواه لن يكون في هذه المرحلة إلّا على الله وحده. 

سبق كارثي

أخبار كثيرة تتوالى. الدولار يرتفع بعد وبعد. السوبرماركات لم تعد تضع أسعاراً على السلع كي لا تضطر الى تغييرها كل ساعة. ومن يشتري عن الرفّ فعليه أن يتوقع أي شيء على الصندوق. ننظر في عيون الناس. ثمة أفعال تعكس حالات من الذعر. يمسكون سلعة، ينظرون إليها، يحرّكونها في كلّ الإتجاهات، ثم يضعونها على الرفّ. تغيّرت حال اللبنانيين كثيراً لكن لا أحد - من أهل السلطة - يبالي. حالات الإنتحار في البلد الى تزايد. وفي علم النفس يُقال إنّ للقلق أعراضاً. الهلع الشديد عارض. عدم القدرة على التحكم بالوساوس الفكرية عارض. تصبّب العرق عارض وضربات القلب السريعة عارض... هي أعراض يشعر بها حالياً اللبنانيون بغالبيتهم. إنها نتاج عدم الشعور بالأمان «فليس سهلاً أبداً على إنسان أن ينام ويستيقظ وهو يحسب الدولار ويقسمه على اللبناني، ويعود ويقسم النتيجة على الموتور والدش والسلع الحياتية الأساسية والدواء. وكل ذلك، كل كل ذلك، في ظل الشعور العميق بأن الماضي ضاع والمستقبل على طريق الضياع.