Advertise here

أنقذوا اللغة العربية

23 كانون الثاني 2023 14:58:42

 لم يعد خافيًا على أحد هولُ المخاطر الّتي تتعرّض لها الّلغة العربية في كيانها واستمراريّتها، فهي فريسة للوَهَن الّذي بدأ يقضم مقوّمات وجودها في الكثير من بلادنا العربيّة. ولعلّ من أهمّ هذه المخاطر أنَّ بلادنا العربيّة تعاني في وقتنا الحاضر من غزو لغات الشّعوب الغربيّة، ما أدَّى إلى انقطاع الصّلة بين الشّعب العربيّ ولغته، وفقدان جذوره ومناعته الّلغويّة، وتهميش معالم حضارته وثقافته، فأصبح العربيّ بِلا هويّة أو كيان، ويترافق ذلك مع الإهمال الجماعيّ لّلغة العربيّة؛ والذّهنية الانهزاميّة للمجتمعات العربيّة مقابل الّلغات الأجنبيّة،  والإنجليزيّة منها على وجه الخصوص، الّتي باتت لغة التّواصل اليوميّ، إنْ على الصّعيد الفرديّ أو العامّ. وبل الأدهى أنّها صارت الّلغة الضّروريّة للحصول على فرص عمل حتى في بلداننا العربيّة! وهذا أمر يدعو للاستغراب والاستهجان رغم اعترافنا بأنّها الأكثر قدرة على مواكبة التّطوّرات العلميّة والتّكنولوجيّة المتسارعة الوتيرة، وهي اختراعات أجنبيّة تفترض منا اتقان لغتها لنتمكن من مواكبة الرّكب الحضاريّ. ولكن في المقابل، هذا يدفعنا الى طرح الصّوت عاليًا واستنهاض الهمم في سبيل تأمين المجالات التّطبيقيّة للبحوث العلميّة العربيّة، وتأمين رؤوس الأموال

من قبل الحكومات المسؤولة في بلادنا لاستعادة مجدنا العلميّ التّليد، بالإضافة الى وجوب تأمين التّواؤم بين الاختصاصات الجامعيّة وحاجات سوق العمل. 

 وما يجدر الإشارة اليه أيضًا هو ضعف الاهتمام بالّلغة العربيّة على صعيد المؤسّسات التّربويّة من مدارس وجامعات، والدّليل تخصيص الّلغة الأجنبيّة بعدد حصص تعليميّة يفوق ما يُخصّص لّلغة العربيّة، وهذه المسألة بدورها يجب حلّها بشكل سريع قبل أن تستفحل وتتجذّر فكرة تفوّق الّلغة الأجنبيّة على العربيّة أكثر فأكثر في ذهنيّتنا ومناهجنا وسلوكيّاتنا، ويمكن العمل على جعل معدّل النّجاح في الّلغة الأمّ هو الشّرط الأساس للترفّع من صفّ الى آخر ومن مرحلة الى أخرى وليس العكس، بالإضافة الى القيام بنشاطات ثقافيّة تربوية تنمّي في الطّلاب فخرهم بماضي العرب العلميّ وتُشعرهم بمسؤوليتهم في استعادة هذا الماضي المجيد المشرّف. 

ولا نعفي وسائل الإعلام من مسؤولية تقهقر اللغة العربية عبر ما  تبخّه من سمٍّ قاتلٍ فيها يتلبّس الأخطاء في الضّبط والنّطق الصّحيح بمخارج الحروف، وهي أخطاء تكرّست في قواميس يوميّاتنا وأدمنتها آذاننا الى حدّ أنّها صارت الوجه الصّحيح بالنسبة للكثيرين، هذا بالأضافة  إلى أنّ الكثير من الإذاعات والمحطّات الفضائيّة العربيّة  تتحدّث بالّلهجات العاميّة العربيّة لا الّلغة الفصحى، ما يؤدّي إلى ضعف لغة المشاهِد وتعاطيه معَ الّلهجات العاميّة بشكلٍ أكبر من الفصحى وقواعدها.

وعلى الجانب الآخر، يلعب كلّ من الأهل والبيئة المحيطة دورًا كبيرًا في تحسين الّلغة لدى الأطفال أو ضعفها، فعندما تقوم الأسرة بزرع فكرة الاحتفاء والتّقدير لّلغة أخرى غير العربيّة في عقول أطفالها، عبر التّباهي بمطالعة القصص بالّلغة الأجنبية أومشاهدة البرامج التلفزيونية الأجنبية،  فإنّ ذلك يؤدّي بالطّبع إلى ضعف الّلغة العربيّة لدى الطّفل، حيث أنّ الّلسان يجب أن يكون متمرسًا  بالّلغة الأمّ وأسسِها منذ الطفولة، كما ويجب توعية الطّفل  على أهميّة الّلغة العربيّة وجماليّاتها والالتزام بفهمِها وتطبيقِها والتّحدّث بها.

وإذا كان الانفتاح مرغوبًا، والتفاعل الثقافي والحضاري بين الشعوب مطلبًا أساسيّا للتطور والتقدم، فإنه خالف مساره في مجتمعاتنا العربية، ليَظهر انزياحًا نحو التّفرنج في مجالاته كافة، ما انعكس على لغتنا الجميلة التي باتت مشوّهة يُداخلها الًّلَحن والضعف والفقر في امتلاك مفرداتها المناسبة للتعبير، فبات الكثير من أبناء هذا المجتمع، المتعلمون منهم وغير المتعلمين، يتنحّون رويدا رويدا عن لغتهم العربية، حتى وصل بهم الأمر الى حدّ التبرؤ منها والخجل بها واعتبارها غير مناسبة للمستوى الاجتماعي الذي يسعَون لأن يكون مشابهًا للموديل الأجنبيّ الذي أفلح عبر الغزو الثقافي الذي نعيشه، أفلح في جعل نفسه الحلم الأقصى! 
 

ولا ننسى طبعًا خطر تفشّي العاميّة في المجتمع العربيّ، وهي راجعة لثنائية اللغة بين المدرسة والبيت والشارع. وتكمن خطورة هذه المسألة في صعوبة معالجتها، إذ لا يمكن إلغاء العامية التي تستقوي يومًا بعد يوم وتكاد تحتل مكان الفصحى في المجال الإعلانيّ تحديدًا، فصارت الإعلانات في معظمها باللهجة العامية أو باللغة الأجنبية!

وكذلك يجدر بنا الإشارة إلى عدم توافر قاموس لغويّ لكلّ مرحلة من مراحل التّعليم العامّ، وقلة استخدام المعينات التعليمية والتقنيات الحديثة في تعليم اللغة، وزخم المناهج بالقواعد وصعوبتها واضطرابها، ما يرهق التلميذ وينفّره من تعلّمها.

ختامًا، لا شكّ أننا أمام مشكلة حقيقة تعاني منها مجتمعاتنا العربيّة ومعها لغتنا، لكنّ هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، ننظر الى انهيارنا ونلطم الخدّ، فثمة حلول كثيرة يمكنها العمل على وقف التّدهور الحاصل على الأقل، إن لم يكن بالإمكان إرجاعُ الزّمن ومعه إعادةُ الأمور الى نصابها، ومن هذه الحلول ما قام به القيّمون على إدارة منتدى الضّاد مثلًا والذين كانوا من السبّاقين في لفت نظر الكثيرين الى خطورة ما يجري لّلغة العربيّة، فمنحوا  تاريخنا وتراثنا وقيمنا نفحة أمل بعودة نارِ وتوهّج اللغة العربية بجهود أبنائها الضّنين عليها والقادرين على إعادة ضخّ الدّم في عروقها،كما ويلعب منتدى الضّاد دورًا كبيرًا في إعادة الّلحمة بين أبناء الّلغة الواحدة، والأمّة الواحدة، ويعزّز شعور الانتماء والقوميّة العربيّة، ويبعث الهمّة للعمل على استعادة مجد لغتنا السّليب، وهو مثال يجب أن يحتذى لتأدية الرسالة المطلوبة منا والسير في حملها حتى خواتيمها السّعيدة المرجوّة بإذن الله.  

 ونأمل أن يكون هناك المزيدُ من المنتديات والنّشاطات الأدبية اللغوية، إن على مستوى الأفراد، أو على المستوى الرسمي والوزارات المعنية، كما يمكن إعداد جوائز تهدف لمكافأة الإبداع في اللغة العربية بكل مجالاته، إذ ستسهم هذه الجوائز في تطوير اللغة وإنعاش الإنتاج اللغوي، واندفاعه للنشر والتوزع. أيضا يمكن إعداد منصات إلكترونية خاصة بنشر الروايات باللغة العربية لكل الفئات العمرية والمستويات. 

الحلول موجودة، ومشوار الألف ميل يبدا بخطوة، فهلمّوا يدًا بيد نكمل المسير.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".