القطاع التربوي ينازع والمطلوب إدارة أفضل للأزمة... والتلاميذ كما الأساتذة ضحايا

22 كانون الثاني 2023 20:08:18

مما لا شك فيه أن قطاع التربية ليس بخير، وهو ينازع كغيره من القطاعات متأثراً بالشلل السياسي والانهيار الاقتصادي والبؤس الاجتماعي، إلّا أن هذا القطاع يكتسب أهمية تفوقع أهمية معظم باقي القطاعات، نسبةً لدوره في إنتاج أجيال متعلّمة ومثقفة تقود المستقبل، وانهياره يعني خطراً حقيقياً على لبنان، الذي كان يتميّز عن محيطه بتعليمه واستشفائه.

منذ سنتين، يعيش هذا القطاع تخبطاً غير مسبوق، ارتفعت وتيرته في الأشهر الأخيرة مع تردي حال موظفي القطاع العام، والأساتذة، ولم تشفع المساعدات الاجتماعية التي صُرفت لإنعاشه مبدئياً، لأن ارتفاع سعر صرف الدولار وتجاوزه حافة الـ50 ألفاً اطاح بكل مساعدة، وأعاد الرواتب إلى قيمتها قبل صرف التقديمات، وترافق ذلك مع غياب الدعم الخارجي للأساتذة، الأمر الذي دفع الأخيرين في مختلف المجالات (التعليم الأساسي، الثانوي والمهني) إلى الإضراب المفتوح.

يعيش أساتذة التعليم الرسمي بمعدّل 200 دولار شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي لتأمين عيش كريم، فيما الحكومة لم تحرّك ساكناً، ولم تمنح الأولوية لملف التربية في جلستها قبل أيام، بل كان الكهرباء الطبق الوحيد، فيما ثمّة وعود بعقد جلسة أخرى في الأيام أو الأسابيع المقبلة، يكون قطاع التعليم أحد بنودها.

وزارة التربية من جهتها جهدت لتأمين المساعدات من الخارج، إلّا أن الأخير خذلها وتراجع عن وعوده بدعم الأساتذة، ورغم محدودية صلاحياتها وموازنتها، إلّا أن اعتمادها على الخارج فقط حمّلها مسؤولية التقصير، والمطلوب ادارة مختلفة للخروج من الأزمة وانقاذ العام الدراسي، فالخطر الذي بات يحيط بالتعليم الرسمي وبالمدرسة الرسمية بات يقتضي استنفاراً في الوزارة والا ستكون مسؤولة حتماً عن انهيار التعليم في لبنان.

رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي في لبنان حسين جواد عدّد أسباب الإضراب، ولفت إلى أن قيمة الراتب لم تعد تكفي حتى آخر الشهر، وبدل النقل لا يكفي للتوجّه الى المدرسة، وخدمة تغطية تكاليف الاستشفاء معدومة تقريباً، لأن إمكانات تعاونية موظفي الدولة تراجعت، وهي بالكاد تغطي نسبة قليلة من فاتورة الاستشفاء.

وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، أشار جواد إلى أن "المطالب تنص على، تصحيح الأجور، أو إنشاء منصّة رديفة لـ"صيرفة" مخصّصة للأساتذة وموظفي القطاع العام، وتكون قيمة دولارها نصف قيمة دولار "صيرفة"، فيصرف الأستاذ راتبه على هذه المنصة، فتتضاعف قيمته، كما ورفع بدل النقل، بالإضافة لإيجاد حل لتأمين تكاليف استشفاء الأساتذة، إما من خلال دعم تعاونية الموظفين، أو التعاقد مع شركات تأمين لتغطية الفوارق التي يدفعها الأساتذة".

وكشف جواد عن تفاصيل آخر تواصل مع وزير التربية عباس الحلبي، وقال: "إن الحلبي أعد دراسة حول كلفة دعم الأساتذة حتى آخر العام الدراسي، أي للأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة، وبلغت الكلفة 25 مليون دولار، غير متوفرة في رصيد وزارة التربية، وفي حين أن الدول المانحة تراجعت عن وعدها دعم الأساتذة، فإن مجلس الوزراء تمكّن من توفير 62 مليون دولار للكهرباء، لكنه لم يؤمّن نصف المبلغ للأساتذة، ولم يُدرج بندهم في جلسته الأخيرة حتى رغم وعد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي".

وختاماً، حذّر جواد من خطوات تصعيدية في حال لم تعالج الحكومة مشكلتهم، ولفت إلى أن بداية الأسبوع المقبل سيتم تنظيم تحرّكات في المناطق، على أن يعقد الأساتذة يوم الأربعاء مؤتمراً صحافياً، وفي حال غابت بوادر الحلول، فإن ثمّة نيّة لتنفيذ اعتصامات مركزية واسعة".

مفوّض التربية في الحزب التقدمي الاشتراكي سمير نجم أسف لواقع الأساتذة والطلاب معاً، لأن الطرفين محرومان من حقوقهما في العيش الكريم والتعليم، لكنّه شدّد على ألا قدرة للأساتذة لأداء مهامهم في ظل تردّي الأوضاع المعيشية وتراجع قيمة الرواتب.

وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، تطرّق نجم لمسألة الـ5 دولارات التي وعد بها الحلبي عن كل يوم عمل، ولفت إلى أن "طريقة الإعلان عنها لم تكن مناسبة، واستفزّت الأساتذة الذي اعتبروها قليلة ومهينة، لكن في الوقت نفسه، فإن قيمتها الشهرية تقارب الـ80 دولاراً، وبالتالي قد يكون ثمّة طريقة أخرى لمنحها للأستاذ".

لكنه في الوقت نفسه، أشار إلى أن "المساعدات الاجتماعية تُحسم من أساس راتب الموظف، فيخسر الأخير المزيد من قيمته، فيما المطلوب معالجة هذه النقطة مع وزارة المالية، لتكون التقديمات إضافة على الرواتب، وليس حسماً منها".

وأكّد نجم سعي "التقدمي" مع المعنيين لإيجاد الحلول المناسبة للملف، متمنياً عودة الدول المانحة إلى دعمها الذي تراجعت عنه، مقترحاً التوجه نحو حقوق السحب الخاصة الموجودة في حساب وزارة المالية، لصرف مساعدات اجتماعية للأساتذة.

في المحصّلة، فإن التلاميذ هم الضحية لكل ما يحصل من إهمال لقطاع التربية، فيما المطلوب إدارة مغايرة للملف، وذلك يبدأ من خلال إيلاء هذا الموضوع الأولوية المطلقة، نسبةً لخطورته.