Advertise here

الديمقراطية اللبنانية: لا إنعتاق ولا إنزلاق!

27 أيار 2019 17:09:00 - آخر تحديث: 27 أيار 2019 17:09:57

قيل ويقال الكثير عن الديمقراطية اللبنانية، البعض رجمها إلى حدود نكران وجودها، والبعض الآخر مجّدها وكأن حركة الكوكب تدور حولها؛ ولكن بين هذا وذاك ثمة حقيقة ثابتة وهي أن الديمقراطية اللبنانية موجودة ولكن تلوثها الطائفية والمذهبية، وأنها غير مكتملة العناصر إلى حدود الهشاشة.

لا شك أن ثمة عثرات موصوفة للديمقراطية اللبنانية، في طليعتها التشويه المنهجي الذي يتقافم مع مطلقي نظريات "تعديل الدستور بالممارسة" (ما يعكس قلة ثقافتهم الدستورية)، والتعدي على الديمقراطية التوافقية تارة برفع شعار الميثاقية وطوراً بتوسل إتفاقات المصالح للوصول إلى المناصب والكراسي، ناهيك عن الهوامش الشعبوية التي يتيحها النظام الطائفي وشعارات الدفاع عن حقوق الطائفة!

كل ذلك صحيح، والدليل هو أن البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي الذي أطلقته الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط في منتصف السبعينات لا تزال بنوده سارية وقابلة للتطبيق، وقد يكون أكثرها إلحاحاً قيام السلطة القضائية المستقلة التي تبدو الحاجة ضرورية لها أكثر من أي وقتٍ مضى.

ولكن فلنعترف ببعض الحقائق التي أتاحتها هذه "الديمقراطية اللبنانية المشوهة":

أ- حرية الكلمة كانت ولا تزال ميزة في لبنان، كلما إقترب أصحاب العقول الصغيرة أو الصدور الضيقة منها، كلما ازدادت مناعتها وقوتها حصانتها، وهي معركة مستمرة طالما جرت محاولة من هنا أو هناك للمس بها. لقد شكلت هذه الميزة التفاضلية نقطة بيضاء في تاريخ لبنان المعاصر في الوقت الذي كانت الأنظمة العربية المحيطة تفاخر بقمعها لشعوبها وبتقليم أظافر أطفالها عندما يلونون جدران مدنها إنتفاضاً لحريتهم المفقودة وكرامتهم المهدورة. 

ب- لقد أتاحت هذه الديمقراطية الهشة للبنان، الدولة الأضعف عربياً، أن تحرّر أرضها من الإحتلال الإسرائيلي دون قيد أو شرط ودون توقيع إتفاقية سلام لفظتها شعوبها وإقتصرت على الهيئات الديبلوماسية. وعودة إلى الأنظمة العربية المجاورة التي صادرت ليس حرية الرأي والتعبير فحسب، بل أيضاً وقفت سداً منيعاً أمام شعبها ومنعته من تحرير أرضه وإستنكفت عن القيام بهذا الواجب طوال أكثر من أربعة عقود، متيحة للاحتلال الإسرائيلي أن ينعم بأهدأ الجبهات على الإطلاق!

في هاتين الحالتين على الأقل، يمكن للبنانيين أن يفاخروا بما أنجزوه، وأن يعملوا في إتجاه تجاوز الطائفية السياسية نحو نظام أكثر عدالة إجتماعية ومساواة سياسية على قاعدة أن قواعد الإلغاء المتبادل أسقطتها التجارب السابقة والتي تبدو محاولات إعادة تكرارها وكأنها مغامرات صبيانية مكلفة النتائج!