Advertise here

هل تغطي البراغماتية الإيرانية فظاعة إعدام المتظاهرين؟

17 كانون الثاني 2023 13:12:49

مع دخول الاحتجاجات الشعبية الإيرانية شهرها الرابع، والتي يبدو أنّها مستمرّة بزخمٍ شعبي غاضب، متجاوزةً الإشكالية الإثنية والقومية، وعابرةً للتكتلات المناطقية، يقف النظام الإيراني بقواه المختلفة عاجزاً عن احتواء ما يسمّيه "أعمال الشغب" حيث وصلت الاضطرابات إلى قطاع النفط الأكثر حساسية في التأثير على الاقتصاد الإيراني المتهالك. ولطالما رفع الشارع الإيراني أقوى شعار ممكن إطلاقه بوجه السلطة الدينية، "إسقاط الدكتاتور"، في إشارة إلى المرشد الروحي علي خامنئي، متحدياً المحاكمات الصورية والإعدامات، وأعمال القتل الممنهج التي تنفذها قوات الباسيج ومجموعات الحرس الثوري، حيث لم تواجه الجمهورية الإسلامية منذ الثورة الخمينية عام 1979 حركة احتجاجية بهذا المستوى من العمق والاتّساع العابر للقوميات كتلك التي انطلقت في أيلول الفائت عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني على أيدي ما يُعرف بشرطة الأخلاق، حيث اتّخذت الاحتجاجات بعداً وطنياً عابراً لفئات المجتمع الإيراني عامودياً وأفقياً.

وإذ يطرح شعار "إسقاط الدكتاتور" قضية إسقاط النظام الإيراني وتصيب داخله بمقتل، فإنّه يضع الموقف النهائي للسلطة الإيرانية أمام منحيَين، إمّا أن يتخذ منحىً تراجعياً ويحتسب مصالحه بمنطقٍ براغماتي، أو أن يأخذ منحىً أيديولوجياً متصلباً دفاعاً عن المرشد رمز النظام لمنع سقوطه طالما أنّه يمتلك قاعدةً أمنية عسكرية صلبة تتمثل بالحرس الثوري من جهة، وبميليشيا الباسيج من جهة ثانية، وبالمؤسّسة الدينية المهيمنة على المجتمع الإيراني من جهة ثالثة، باعتبارها ثلاث مقوّمات أساسية لبنيان الدولة العميقة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في زمن حكم الملالي.

يمكن القول إنّ رأس النظام يذهب لاتّخاذ موقفٍ أيديولوجي متشدد في مواجهة التحديات الداخلية وليس موقفاً براغماتياً، كذلكَ في مواجهة التحديات الخارجية. لكن الموقف الأيديولوجي بمواجهة التحدي الداخلي سيكون مرتبطاً بممارسة المزيد من أعمال العنف متماثلاً مع تجربة النظام السوري. ولعل أبرز ما يعبّر عن هذه السياسة ما قاله نائب رئيس الحرس الثوري، عباس نيلورو شان، "هذه إيران بلد الشهداء. لإسقاط النظام عليك أن تمرّ عبر بحر من الدماء ".

النظام الإيراني مطمئن إلى أنّ الغرب لا يبالي بالقمع الذي يمارسه بوجه شعبه، ولن يندفع لاتّخاذ أية مواقف ميدانية بعيدة عن بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، وعقوبات هنا وهناك، لا تؤثّر ولا تبدّل ولا تهز أركان النظام، أو تضعه على حافة الانهيار، وهذا ما دفعه إلى إصدار عشرات أحكام الإعدام ضد ناشطين جرى اعتقالهم خلال أشهر الاحتجاجات الأربعة، والتي وصفتها بعض الصحف الغربية بأنها تشكّل تحدياً لغضب الرأي العام العالمي.
وكان القضاء الإيراني أصدر قبل أيام  أحكامَ إعدام بحق ثلاثة أشخاص أدينوا بقتل عناصر من قوات الأمن، ما يرفع إجمالي عدد أحكام العقوبة القصوى الصادرة في قضايا متصلة بالاحتجاجات إلى 17، تم تنفيذ أربعة منها، بينما صادقت المحكمة العليا على حُكمين آخرين.

مدير المركز الأحوازي للدراسات السياسية والاستراتيجية، حسن راضي، يقول إنّ عمليات الإعدام تهدف إلى "القضاء على الاحتجاجات، وقمع المحتجين، وزرع الخوف والرعب في صفوف الشعب بشكل عام والانتقام منهم لأنهم ثاروا ضد النظام ورفعوا سقف مطالبهم بعد أن نادوا بالإطاحة بالمرشد الأعلى".

ويضيف راضي أنّ "طهران تمارس قمعاً شديداً من خلال الإعدامات والقمع والاغتيالات والاعتقالات التي تجاوزت 20 ألفَ شخص"، مبيّناً أنّها تحاول أيضاً "استفزاز المجتمع الدولي الذي تعاطف مع المحتجّين وفرض عقوبات على النظام من خلال إعدام أكبري".

ويؤكّد راضي أنّ "حملة الإعدامات الإيرانية لن تتوقف، وستكون هناك أيضاً حملة اعتقالات جديدة وتصفيات ضد المحتجّين خلال الفترة المقبلة".

وترى الباحثة في الشأن الإيراني منى السيلاوي أنّ إعدام المحتجّين، هو رسالة واضحة للداخل الإيراني، وأنّ النظام لن يتراجع عن أساليبه القمعية، وأيضاً للدول الغربية بأنّ العقوبات والإدانات لا تهمّنا".

إلى جانب هؤلاء، أعلنت طهران أنّ إعدام المواطن البريطاني-  الإيراني، علي رضا أكبري، والذي شغل من قبل منصب نائب وزير الدفاع الإيراني، بتهمة "التجسّس" لصالح بريطانيا في خطوةٍ أثارت غضباً وتنديداً دوليَّين.

أدوات التشدّد والقتل في مواجهة تحدي الداخل الإيراني لا تمكّن نظام الملالي من استخدامها في مواجهة التحديات الخارجية، بل عليه أن يلجأ إلى وسائل أخرى أكثر مرونة وبراغماتية، أو إلى الجمع بين الأيديولوجيا والبرغماتية، كما يعتقد بعض المراقبين المختصّين بالشأن الإيراني، حيث يرى البعض أنّ النظام سوف يعتمد سياسة الثبات الأيديولوجي لتبرير سياساته الداخلية، وسوف يلجأ إلى تقديم بعض التنازلات الخارجية للوصول إلى تسويات مقبولة، ما يعني أنّ الدبلوماسية الإيرانية الخارجية ستكون أكثر تعقيداً من السياسة الداخلية المرتبطة بحماية النظام مهما بلغ مستوى الاحتجاجات الشعبية، ومهما بلغت قوة القمع والقتل في مواجهة الغاضبين، حيث أنّ الدبلوماسية الإيرانية اختبرت سابقاً تلك التجربة وتدرك حقيقة اللعبة الدولية في كيفية التوظيف من موقع الخصم، وكيفية التفاهم مع اللّاعب الأميركي من موقع الخصم سواءً في سوريا، أو في العراق، أو في اليمن.

لذلك يجب أن نرى كيف سيجمع النظام الإيراني ما بين التشدّد والتصلب الأيديولوجي في الداخل وبين البراغماتية الخارجية، وكيفية عقد الصفقات في العراق وسوريا ولبنان واليمن على قاعدة البيع والشراء وتبادل المنفعة مع الغرب على حساب التدخّل في شؤون الدول العربية بما يلبي مصالح الغرب الأولى.