Advertise here

قذيفة "داعشيّة" أفقدته بصره… طفلٌ يواجه الحياة بعينٍ زجاجيّة

16 كانون الثاني 2023 10:06:34 - آخر تحديث: 16 كانون الثاني 2023 10:21:23

كتبت إيسامار لطيف في موقع mtv: 

"آخر شي شفتو بعيوني القذيفة للي نزلت عبيتنا ومن بعدها كلّ شي صار أسود"... هكذا يستذكر ابن الـ10 سنوات في حديث مع موقع mtv مأساة خسارته لنظره بعد تعرّضه لحادث مؤسف أفقده "لون الدنيا" ودفعه إلى العزلة هرباً من سخرية أترابه ونظراتهم الموجعة.

بدأت قصة تيم الأحمد في صيف 2016، وتحديداً في ظلّ المواجهات الداميّة التي شهدتها مدينة إدلب بين قوّات الجيش السوريّ و"داعش"، حيث نزح وأسرته باتجاه "بيت العائلة" عساه يحتمي في ظلّه من القذائف العشوائية التي كانت تنهمر عليهم من كلّ صوب. جثث نتنة، أبنية مهدّمة، متارس حربيّة، وشوارع مكتظة بأطفال ونساء يهرولون خوفاً للاحتماء من شبح الموت، للأسف، كان هذا المشهد الأخير الذي شهد عليه تيم وهو ينظر بدهشة وحزن حوله بحثاً عن والدته، وما هي إلاّ لحظات حتّى حلّت الكارثة...

"صراخٌ وسوادٌ قاتمٌ، هذا كلّ ما أذكره، أو على الأقل هذا ما تذكرته في المستشفى عندما تحدّث الطبيب معي، قائلاً: يا لكَ من بطل! صوته لا يزال محفوراً في مخيلتي، فأيّ بطولة هذه التي أفقدتني نظري وأنا لم أرَ من الحياة سوى الدمار والحرب؟ أيّ بطل خارق بعين واحدة؟"، يقول تيم.

للأسف، تُعتبر الحرب السوريّة الأكثر دموية في المنطقة منذ سنوات، حيث سقط أكثر من 26 ألف طفل نتيجة سياسات وأجندات داخلية لا تمت للإنسانيّة بصلة، ولا تزال تبعاتها تُلاحقهم حتّى يومنا هذا، حتّى خارج سوريا. 

من مسقط رأسه، هرب تيم وعائلته إلى مسكن متواضع على أطراف مخيّم شاتيلا البيروتيّ، حيث يقطن حالياً في ظروفٍ صحيّة قاهرة. بعين واحدة وأخرى زجاجيّة، يواجه الطفل حياته راهناً، يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الأنظار وكأن "العاهة" التي تسبّبت له الحرب بها معيبة. يُخبرنا بصوت خافت ومرتجف تفاصيل رحلته من سوريا إلى بيروت، قائلاً: "هربنا إلى بيت جدي بسبب الحرب، فكان من المفترض ألّا نقع ضحية المواجهات الدامية هناك، ولكن الحظ لم يُسعفنا، إذ انهال الضرب علينا فجأة أثناء خروجنا لشراء الخبز، ولا أذكر أيّ شيء سوى ما أخبروني به وهو أن القذيفة سقطت أمامي وجرى ما جرى. خرجتُ من المستشفى بأعينٍ ملفوفة وكرسيّ متحرّك، عندها أخبرني أبي أن كلّ شيء سيكون على ما يُرام، وأنّني سأستعيد نظري بعد فترة وجيزة وأعود إلى طفولتي التي حُرمت منها في سوريا، ولكن لكي يحصل كلّ هذا لا بد من النزوح إلى مكان آمن حيث لا حرب أو قذائف". 

كانت بيروت واجهة العائلة الوحيدة لأنّها لا تملك المال أو جوازات سفر حتّى، فدخلت خلسة إلى لبنان عبر البقاع، وهناك قضت نحو السنة في مخيّمات النازحين ومن ثمّ انتقلت إلى العاصمة بهدف العمل. الرحلة لم تكن سهلة، إذ ما يذكره الطفل يقتصر على ضرب المدافع وصراخ الناس والتنقل المستمرّ بحثاً عن الأمان الذي لم يجده هناك حتّى في الأحياء التابعة لسيطرة النظام السوريّ، وفقاً لرواية الأهل.

أصحاب الأيادي البيضاء لم يبخلوا على تيم بالمساعدة، إلّا أن حالته الصحيّة المتدهورة كانت تتطلب سلسلة عمليات باهظة الثمن، وتستدعي مكوثه في المستشفى لأسابيع، ولكن "العين بصيرة واليد قصيرة"، إذ لم تكن النقود كافية إلّا لتركيب عين زجاجيّة لتيم بالمبالغ التي تبرّع بها البعض. "أنا لستُ مثل باقي الأطفال، فأنا أُرعبهم وأُخيفهم لأنّني بعين واحدة أرى بها بنسبة 40% وأخرى زجاجيّة لا تسمح لي برؤية كلّ شيء بوضوح أو بالألوان، أيّ أنّني أرى بشكل متقطع قديم، كأفلام الأبيض والأسود، ممّا يمنعني من الذهاب إلى المدرسة أو حتّى اللعب في الشارع كسائر الأولاد. ولكن ماما تُخبرني بأن وضعي لا يعني نهاية الدنيا، فعلى الأقل لم أمت هناك، فربّما استجاب الله لندائي عندما سألته في أحد الليالي أن يحجب عن نظري المشاهد الدمويّة التي شهدت عليها"...

يعيش تيم بأمل العلاج ولو كان ضئيلاً، فنظره عاد إليه بنسبة خجولة لا تُمكنه من الانخراط في المجتمع بشكل طبيعيّ، فهل ينصفه القدر ويُعيد إليه طفولته التي أبعدته عنها قذيفة الحرب؟