Advertise here

صراع محتدم بين الجيش الروسي و"فاغنر"... وبوتين يحمي نفسه؟

15 كانون الثاني 2023 17:51:25

كلّ المؤشّرات تفيد بأنّ مدينة سوليدار سقطت بيد روسيا ربّما باستثناء جيب صغير في الشمال الغربيّ. سقوط هذه المدينة قد يسهّل على الروس الاستيلاء على مدينة أخرى حاولوا طويلاً السيطرة عليها وهي باخموت. أن يأتي هذا التطوّر بعد ساعات على تعيين رئيس هيئة أركان القوّات الروسيّة الجنرال فاليري غيراسيموف قائداً مباشراً لـ"العملية العسكريّة الخاصّة" في أوكرانيا ينبغي أن يكون خبراً مفرحاً له. لكن ثمّة ما ينبئ بعكس ذلك.

أجرى الكرملين أربع عمليّات مداورة في قيادة الحرب على أوكرانيا. غيراسيموف هو رابع عسكريّ يتولّى المهمّة. كثرة المداورة في هذا المنصب لا تشي باستقرار في تسلسل القيادة ضمن جيش معروف بشدّة هرميّته. بالمقابل، يعني اختيار رئيس الأركان ليشرف مباشرة على الحرب خفضاً غير معلن لرتبة غيراسيموف. للمفارقة، تزامن ذلك مع خفض لرتبة القائد السابق الجنرال سيرغي سوروفيكين. وسط حالة شبه الضياع هذه، تبرز مشكلة أخرى ترقى إلى المشكلة الأساسيّة في عجز الجيش الروسيّ عن حسم الحرب.

صراع أجنحة

تتمثّل المشكلة الحديثة في تفاقم الخلاف بين جناحين في موسكو: يضمّ الأوّل وزير الدفاع سيرغي شويغو والجنرال غيراسيموف، والثاني يمثّله "طبّاخ بوتين" يفغيني بريغوجين مؤسّس مجموعة "فاغنر"، ويدعمه في موقفه الرئيس الشيشانيّ رمضان قاديروف.

غالبية الفرق التي تقاتل في سوليدار وباخموت تابعة لمجموعة "فاغنر" لا للجيش الروسيّ. تمثّل قدرة "فاغنر" على تحقيق اختراق عسكريّ، ولو غير استراتيجيّ، تأكيداً لفاعليّة المجموعة القتاليّة وللانتقادات التي وجّهها كلّ من بريغوجين وقاديروف لطريقة خوض الجيش معاركه. علاوة على ذلك، يمثّل استبدال سوروفيكين بغيراسيموف، ضربة معنويّة لبريغوجين وقاديروف اللذين أثنيا طويلاً على أداء الأول.

وتداول أحد المراقبين العسكريّين على تويتر كلاماً على شبكة روسيّة في "تلغرام" لمصدر رجّح أنّه من "فاغنر" قوله إنّ بريغوجين أعلن عن السيطرة على سوليدار قبل سقوطها بالكامل ليدفع مقاتليه إلى تسريع الاقتحام. وتابع المصدر أنّه لو فشلت قوّات "فاغنر" في الاستيلاء على المدينة "فستستخدم وزارة الدفاع ذلك ضدّ بريغوجين و"الموسيقيّين" شخصيّاً – إمدادات الذخائر لن تخضع لعدم الزيادة وحسب، بل ستتقلّص جميعها..." ("الموسيقيّين" نسبة إلى الموسيقيّ الألمانيّ ريتشارد فاغنر).

اتّهامات بـ"السرقة" وروايات متقابلة

"بمجرّد أن نغزو بيروقراطيّتنا وفسادنا الداخليين، عندها سنغزو الأوكرانيّين والناتو... المشكلة الآن هي أنّ البيروقراطيّين وأولئك المنخرطين في الفساد لن يصغوا إلينا لأنّهم يشربون جميعهم الشمبانيا بمناسبة رأس السنة".

بطبيعة الحال، لا يحتاج كلام بريغوجين إلى الكثير من التحليل لمعرفة أنّ المقصود بالبيروقراطيّة هو وزير الدفاع سيرغي شويغو، كما أوضحت "سي أن أن". وأشارت الشبكة الأميركيّة إلى أنّ الطرفين اختلفا على عقود عسكريّة مربحة مُنحت أوّلاً لـ"مجموعة بريغوجين كونكورد" قبل أن تُسحب منها لاحقاً.

اللافت أنّه حتى عندما أعلنت "فاغنر" سيطرتها على سوليدار يوم الثلثاء الماضي، كان الجيش الروسيّ نفسه من نفى ذلك الخبر في اليوم التالي.

هذا قد يشير إلى مؤشّر آخر حول خلاف بين الجيش و"فاغنر"، أو بالحدّ الأدنى إلى صحّة ما ورد في قناة تلغرام الروسيّة عن أنّ بريغوجين مستعجل لإعلان الفوز في المدينة من أجل كسب اليد العليا بمواجهة وزارة الدفاع.

 حدثٌ آخر استدعى الاهتمام. حين أعلنت وزارة الدفاع يوم الجمعة سيطرة الجيش الروسيّ على سوليدار من دون ذكر "فاغنر"، اتّهم أحد المسؤولين في المجموعة، وهو أندريه تروشيف، وزارة الدفاع بسرقة "إنجازات الآخرين".

ويبدو أنّ الوزارة نفسها اضطرّت يوم الجمعة إلى إصدار بيان "توضيحيّ" ثانٍ تشيد فيه بدور فاغنر "الشجاع والنزيه" في ما تحقّق.

ولاحظ مراقبون آخرون أنّه حتى حين تتقّدم قوّات "فاغنر" داخل الأحياء، يقوم مقاتلوها برفع علم المجموعة لا العلم الروسيّ. كما ظهر عدد من مقاطع الفيديو التي تبيّن تذمّراً لمقاتلي "فاغنر" من النقص في الذخيرة والعتاد بما فيها مقاطع ظهر فيها بريغوجين نفسه. وزار بريغوجين من يُزعم أنّهم مقاتلون من مجموعته شتموا غيراسيموف في فيديو أواخر كانون الأوّل لأنّ الذخيرة تنقصهم.

لماذا عيّن غيراسيموف؟

يخضع هذا السؤال لتكهّنات كثيرة. قال الجنرال الأميركيّ المتقاعد باري ماكافري إنّ الرئيس الروسيّ يعدّ غيراسيموف لتحميله مسؤوليّة الخسارة في الحرب. وربّما أخبر سوروفيكين ما لم يعجب الرئيس الروسي بحسب البعض فكان هذا سبباً في خفض رتبته. وكان بريغوجين قد وصف سوروفيكين بأنّه "القائد الأكثر كفاءة في الجيش الروسيّ".

لكنّ خطوة بوتين قد تكون أيضاً رسالة إلى الفصيل المتشدّد في موسكو، مثل بريغوجين وقاديروف والمدوّنين العسكريّين الذين بالغوا في انتقاد المؤسّسة العسكريّة علناً. على سبيل المثال، رأى "معهد دراسة الحرب" أنّ تعيين غيراسيموف قائداً للحرب هو في جزء منه "قرار سياسيّ لإعادة تأكيد سيادة وزارة الدفاع في صراع روسيّ على السلطة".

يتقاطع قسم كبير من التحليلات بشأن تعيين غيراسيموف قائداً للحرب على أوكرانيا عند نقطتين أساسيّتين: الأولى أنّ بوتين يريد تحجيم بريغوجين وقاديروف وإعادة الهيبة إلى وزارة الدفاع الروسيّة في وجه الحملات الإعلاميّة. أمّا الثانية فهي الاستعداد لتحميل غيراسيموف مسؤوليّة الفشل إذا أخفق الجيش الروسيّ في الحرب. ليس هذا كلّ شيء.

بوتين يحمي نفسه؟

لا تبدو هاتان النقطتان متعارضتين. ربّما لا يهتمّ بوتين بحماية سمعة وزارة الدفاع كهدف قائم بذاته. الهجوم الذي تعرّض له غيراسيموف و"النجاح" الميدانيّ النسبيّ لـ"فاغنر" يعنيان أنّ حظوظ بريغوجين كرجل يمكن أن يخلف بوتين في حال انهيار القوّات الروسيّة ترتفع. فلدى بريغوجين ما يشبه جيشاً بإمرته إذا كان يفكّر في تدبير عمليّة انقلابيّة. وعمليّاً، يحتاج الرئيس الروسيّ كي تكون وزارة الدفاع إلى جانبه لحمايته من أيّ انقلاب محتمل.

من ناحية ثانية، حتى ولو خفّض بوتين رتبة سوروفيكين، يبقى الأخير أحد نوّاب غيراسيموف. معنى ذلك أنّ بإمكان بوتين إعادة ترقية سوروفيكين في حال أخفق رئيس هيئة أركانه. يبدو أنّ أحد هموم بوتين الآن الحفاظ على التوازن بين الجيش التقليديّ وقوّات "فاغنر" كي لا يقوى طرف على آخر. يهدف ذلك إلى الحفاظ على كلّ النظام الذي بناه منذ عشرين عاماً وكذلك على سلطته وموقعه. والمداورة في قيادة الحرب، حتى ولو لم تكن تعني الكثير ميدانيّاً، ترسم صورة مفادها أنّ الرئيس الروسيّ لا يزال ممسكاً بزمام الأمور. لكنّ السيطرة على الوضع في موسكو تستلزم أوّلاً السيطرة على الميدان في أوكرانيا. إلى الآن، تبدو روسيا بعيدة كلّ البعد عن هذا الهدف.