Advertise here

التنمر بين مطرقة الأهل وسندان المجتمع..

13 كانون الثاني 2023 07:32:33

تشتق كلمة التنمّر من اللفظ نَمِرَ أي غضِبَ وساء خلقه وأصبح يُشبه "النمر" الغاضب. ويُعرف على انه شكل من اشكال الايذاء والمضايقة المتعمدة من الجهة التي تستقوي بالسلوك "التنمري".

وقد اثبتت الدراسات ان ظاهرة التنمر أضحت تنتشر في كل مكان وتختلف المراحل العمرية المستهدفة والتي قد تكون الحلقة الأضعف او الأقوى في هذا الامر، وباتت تسيطر على الحياة الواقعية والالكترونية وفي المدارس والجامعات، وامتدت الى مكان العمل وتتأثر بطبيعة البيئة التي نشأ فيها المتنمِّر والطرف المتنمَّر عليه. كما انه أحد اشكال العنف الذي يمارسه الفرد/ الطفل او مجموعة افراد ضد آخرين وذلك بإزعاجه بطريقة مباشرة.

ويعرف التنمر اشكالا متعددة تنشر الاشاعات او التهديد او مهاجمة المتنمر عليه بدنيا، او لفظيا او اقصائه بغرض الحاق الأذى النفسي به او ترجمتها بحركات وافعال تحدث بشكل ظاهر.

الاختصاصية في العمل الصحي -الاجتماعي والمتابعة النفس-جسدية خديجة قرياني ماضي عن هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها منذ الصغر تقول: "ان التنمر يشمل ثلاث فئات أساسية:

1. التنمر الجسدي، ويتمثل بالتعدي على مساحة الفرد الجسدية الخاصة من خلال تصرف بسيط وصولا الى الايذاء بالضرب المبالغ فيه.

2. التنمر اللفظي، كناية عن كلمات والفاظ تهين الآخر، تحقره وتقلل من شأنه.

3. التنمر المعنوي، غالبا يحدث بين البالغين، ويكون المتنمر ذكيا ومتمكنا وحذقا بطريقة لا يلجأ فيها الى استعمال كلمات مباشرة بل يستخدم القوة البدنية لتحقير ضحيته بطريقة غير مباشرة وقد تكون بالنظرات او تلوينه الكلمات التي يستخدمها كبديل عن التعارك باليدين او حتى سلوكيات معينة يقوم بها في محيطه ليُشعر أحد الافراد بأنه إما الأضعف او الأقوى.

أسباب التنمر

تقول ماضي لـ "الديار": "التنمر سلوك يصدر عن انسان يرى بنفسه نقصا او عيبا فيلجأ للحماية المسبقة قبل ان يشار اليه بهذا الوهن، فيبادر الى اذية الاخرين من خلال كيان او إطار "مرعب" لكيلا يتعدوا على هذه الهيبة التي يخلقها كونه شخصا متنمرا ومستقويا ومستعليا على الاخرين. وفي الاساس المتنمر يشعر ان صورته الداخلية فيها جبن او فشل خوفا من ان يستضعف او يُسْتغبن فيبادر الى التسلّط.

وتفصّل ماضي الأسباب بقولها: " أحد أوجه انتشار هذه الحالة هي النقص، وقد نتساءل لماذا يشعر الانسان به"؟

وتشرح، الانسان له أربعة احتياجات أساسية:

أولا: الحاجة الى التعلق والارتباط ويتجسد بالطفولة ويتوفر للطفل عنصر بالحد الأدنى من مقدمي الرعاية كالأم او الاب اللذين يقدمان له الحب الغير مشروط ويكونان سند وثيق وموثوق به لا يخذلانه او يخونانه ويشعر بالانتماء لهما، وغالبا يطلب ان تكون "الام" هي هذا الشخص. وتتابع، "أضعف الايمان في حال إذا لم تكن الام حاضرة ان يحل الاب مكانها والا سيتعرض الطفل لاضطراب في علاقته مع اهله وإذا لم يجد مكانا لملء هذا الفراغ ونتحدث هنا عن نقص في مرحلة أساسية والتي تؤثر مع الوقت على بناء الشخصية".

ثانيا: "الحاجة للاستقلالية والتحكم على قدر ما نريد ان يكون لدينا أهل يمكن الاعتماد عليهم، والشعور بالأمان لوجودهم، ويبقى عليهم ان يتركوا مسافة امان او مساحة من الحرية للأولاد ليشعروا بالاستقلالية والقدرة على التحكم بالأمور".

ما بين الليونة والقسوة

تقول ماضي، "إذا الاهل تركوا طفلهم يعتمد عليهم بشكل كلي فسيفقد الأخير القدرة على المواجهة او التحكم بضبط اعصابه، وعلى مقلب آخر إذا لم نعطه التعلّق الكافي الذي يحتاج اليه والارتباط الطبيعي فسيصبح شخصا مستقلا ومتحكما أكثر من المطلوب أيضا سينشئ لدينا عطب بالذاتية".

ثالثا: "الحاجة لتلبية رغباتنا والتخفيف من الاستياء"

تقول ماضي، "تماما عندما يبكي الطفل من الجوع فيحتاج الى من يحتضنه ويلبي حاجته وهنا يأتي دور الام التي تقوم بهذا الدور لتلبي رغبة الجوع التي شعر بها. وتتابع، " هذا الجانب بحاجة لإطاعة أطفالنا، فالأهل الذين لا يراعون رغبات أطفالهم يؤسسون تزعزعا في الشخصية. كما انه على العكس، فان الافراط يؤدي الى النتائج نفسها غير المرجوة في كلتا الحالتين".

رابعا: "الحاجة الى الاحترام وتقدير الذات وهذه الحاجة الأساسية ممكن ان ترتبط بشكل كبير بظاهرة "التنمر"، وتفصّل ماضي، "إذا الطفل لم يحترم ويُقدّر وكان الاهل شديدو الانتقاد ويفرضون ضوابطا قاسية وقوانين صارمة لا تراعي حقوقهم البديهية، فمن الممكن ان يصبحوا في المستقبل اما متنمرين او ضحية تنمر"، فعلى سبيل المثال الحادثة التي ضج بها المجتمع اللبناني وحتى العالم منذ بضعة ايام، حيث عمد والد طفل في منطقة تعنايل البقاعية الى تقييد طفله البالغ من العمر الحادية عشرة بسلاسل معدنية كنوع من العقاب! وهنا السؤال ما الذي يجب ان نتوقعه من هذا الطفل في المستقبل فأطفالنا اليوم على الشكل الذي تربوا عليه غدا.

التنمر الجامعي

لماذا هذه الظاهرة بدأت تنتشر في الجامعات بشكل كبير ونلتمس آثارها السلبية بشكل مضاعف؟

تقول ماضي عن هذا الموضوع، " لان الطفل أُسّس منذ الصغر على هذه الهيئة وفي الجامعة يوجد شخصية البالغ والثمرة التي زرعناها فيه منذ الطفولة والاشياء التي ترعرع عليها، فعندما يصبح الولد او الفتاة في هذه المرحلة يتصادمون مع الواقع الاجتماعي الحقيقي بعيدا عن سلطة واحتضان الوالدين".

وتردف، "في الأساس الطفل الذي كان مدللا بشكل مفرط ورغباته خاضعة للتنفيذ والاهل يرونه بمرتبة عالية ومنزّها عن أي خلل، يتواجه مع الواقع وبالتالي يتقابل بأشخاص يلفتونه الى أخطائه او يشعرونه انه غير مرغوب فيه او ان وجهة نظره غير مرحّب بها.

عندئذ يفقه "المتنمر" ان رغباتنا ليست جميعها خاضعة لأمر التنفيذ، وليس الجميع يتقبلوننا كيفما كنا، وبالتالي من الممكن ان يكون علينا ملاحظات تحوّل الأطفال المفرط في تغنيجهم الى متنمرين ومهينين للآخرين لأنهم يأبون من الداخل ان يكون النقص فيهم امتدادا من القواعد التي تربوا عليها ومن هنا يشعرون بالأحقية للتعدي ورمي الكلام الوقح والبذيء وصولا الى التحقير".

المواجهة عبر التنمر

تقول ماضي، " الأطفال الذين لم يحصلوا على هذه الحاجات الأربع، ولم يعاملوا باحترام وتقدير في مرحلة الطفولة يلجؤون الى انتزاع حقوقهم من المحيط ويخافون لدى انخراطهم في مجتمع جديد والذي هو كناية عن "الجامعة" فيتصادمون مع شخصياتهم كبالغين، ليكتشفوا ان لديهم نقصا كبيرا في تقدير الذات".

ظاهرة سيئة الابعاد

"تُرْجِع ماضي انتشار هذه الحالة التي تصيب مختلف الفئات العمرية الى انسحاب الاهل من دورهم الأساسي بإشباع حاجات الطفل منذ الصغر. وتسأل، من يحتضن الطفل داخل الاسر، ومن يتأكد ان اموره تسير بالاتجاه الصحيح بالنسبة لعمره واحتياجاته إذا كان الاهل منشغلين ومستنزفين بضغوطات الحياة، ومن يحتويه ويعمل على تكوين شخصية متزنة له! وتصوّب بالقول، "عندما يفتقد مقدم الرعاية ويجد الطفل نفسه قد اخذ جرعات دلال زائدة وبات لديه تجاهل وعم الاهتمام فيه او تم ضغطه والافراط بالقسوة عليه هذه الامور الثلاث ستنتج طفل متقوقع، فاقد للرصانة والتنمر طريق سيسلكه لحماية النقص الذي يشعر فيه".

سبع السنوات الأولى من حياة الطفل هي الأساس

تستكمل ماضي، "ان صنع انسان يُحدد في سبع السنوات الأولى من عمره في ان يكون متزناً عاطفيا ولديه قاعدة آمنة يرتكز عليها تتمثل بالحنان وتربية "الوالدين" بشكل أساسي.

لماذا الفتيات أكثر

تفنّد ماضي هذا الشق بقولها: " الاناث عرضة للتنمر بشكل أكبر باعتبارهن ارق ويتأثرن بموضوع المشاعر، بالإشارة الى ان التبدلات الجسدية لهن تبدأ من عمر مبكر وتتكشف في مدارسهن، لذا نلاحظ ان بعض المدارس تعمد الى فصل الذكور عن الفتيات لتعطي مساحة لكلا الطرفين أكثر امانا خاصة في مرحلة المراهقة، فاسحة المجال لهم في ان يتطوروا، وهذا التحول يبدأ بتغيّر الصوت عند الذكور والجسد عند الفتيات كما السلوك".