Advertise here

النوستالجيا إلى الإمبريالية!

11 كانون الثاني 2023 20:32:59

لا أذكر تماماً كم كان سنّي عندما سمعتهم يتحدثون عن "الإمبريالية"، لكنني أعتقد أنني لم أتجاوز في حينها أعوامي الستة. كان لتلك الكلمة المعقّدة اللفظ على طفل يافع وقعاً غريباً. أو ربما ذاك الوقع كان بسبب شدة احتدام النقاش الذي كان دائراً بين "أصحاب الرأي" الحاضرين في حينه.

 أطلقتْ تلك العبارة العنان لمخيّلتي في محاولة لفهم معناها، ومن شدة معارضة "أصحاب الرأي" "للإمبريالية" وحماوة النقاش، خّيل لي بأنّها غولٌ قادم من الغرب البعيد له أسنان حادة، ولديه شرهٌ كبير لالتهام الشرق. 
لم أكن واثقاً في تلك اللحظة من دقة استنتاجي، لكن راودتني قناعة بأنها شرٌ لا محال!

مع تقدّمي في السن قليلاً، وإدراكي بأنّ الغيلان ليست سوى شياطين من نسج الخيال، أصبحت "الإمبريالية" في مفهومي هي عبارة عن كلمة مرادفة "للغرب" (أميركا وأوروبا) ومخطّطاته الاستعمارية والتوسعية التي تسعى للسيطرة على العالم خدمةً للرأسمالية الجشعة التي ناصبت العداء للفكر اليساري،  والذي بدوره يسعى لبسط العدالة بين كافة فئات البشر. ولا أنكر بأنّ هذا المفهوم لم يكن سوى فهماً مبسطاً للواقع القائم في حينه، وهو حتماً بعيدٌ كل البعد عن المفاهيم العلمية.

بغضّ النظر عن سطحية تفكيري في حينه نظراً لصغر سني، وبغضّ النظر أيضاً عن انتماء أي منّا لأي معسكر كان قائماً في ذاك الزمان، فممّا لا شكّ فيه أنّ الرؤى كانت أوضح عندها. فالأبيض كان أبيضاً والأسود كان أسوداً. كان اليسار يساراً واليمين يميناً، وما عليك سوى السير خلف قناعاتك: تعادي هذا وتؤيّد ذاك والعكس صحيح أيضاً، وكلٌ يناضل في سبيل تحقيق قناعاته التي يؤمن بها كل الإيمان.

أمّا اليوم، وقد شارفت على إنهاء عامي الـ45، فقد وقفت متأملاً حالَ العالم الحديث، فوجدت بأنّ قيصر روسيا قد عاد، وهو يبسط جيوشه في سوريا وأوكرانيا. وبأنّ امبراطور الصين العظيمة قد عاد أيضاً منتصراً في هونغ كونغ على بريطانيا، وفي ماكاو على البرتغال وعيناه شاخصتان نحو تايوان، واحتلاله الناعم لدول العالم عبر بوابة الاقتصاد مثل سيلٍ جارف لا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه. وإيران الثورة الإسلامية امتدت سلطتها من طهران إلى لبنان وسوريا والعراق فاليمن. وسلطان تركيا قد اعتلى العرش مجدداً، وها هو يتوغل في سوريا وليبيا،
فتوجّهتُ بنظري غرباً لأجد أميركا ما زالت ذلك الحوت الرأسمالي الكبير الذي يسعى لتوسيع سيطرته الاقتصادية ويصدر العقوبات بحق أهل المعمورة دون أي رادع، وينشر جيوشه حيث يطيب له. وبأنّ بريطانيا ما زالت بريطانيا العظمى، وأوروبا قد اتّحدت لتجاري جبروت الأميركي وعظمة الصين وروسيا؛ فاحترت في أمري وتوجّهت إلى مستشاري الخاص "Google" عبر كتابٍ خطي مباشر، طالباً منه تعريف "الإمبريالية" علّه يحدّث معلوماتي المستقاة من الكتب العتيقة. فجاءني بالرد التالي:

"الإمبريالية، سياسة أو أيديولوجيا تهدف لتوسيع نطاق حكم الشعوب والدول الأخرى بغية زيادة فرص الوصول السياسي والاقتصادي وزيادة السلطة والسيطرة، ويكون ذلك غالباً من خلال استخدام القوة الصارمة، وخاصة القوة العسكرية، ولكن أيضاً من خلال القوة الناعمة."

وَيحكَ أيها المستشار. لقد زدتَ الطين بلة. أي إمبريالية سأعاديها الآن؟ لقد فاتتني فرصة معاداة إمبرياليات الثمانينيات بسبب صغر سني، وكيف لي أن انتقي أي إمبريالية سأعادي اليوم؟! 
عندها امتلكني شعور   بالحنين (Nostalgia) إلى إمبرياليات الماضي القريب.

أعيدوا لي إمبرياليّتي كي أناصبها العداء. أو خذوا ما شئتم من إمبريالياتكم، لكن أعيدوا لي اشتراكيّتي.