في دولة يخضع فيها الزواج لأحكام الطوائف، أي المحاكم الروحية والمذهبية والشرعية، الإسلامية والمسيحية، فيما الزواج الوحيد الذي يُعترف به خارج الإطار الديني هو الزواج الذي يعقد خارج لبنان على نظام أي دولة مدنياً، وجد البعض من الزواج المدني عن بُعد حلاً، إما لتعذر السفر لأسباب مختلفة او لقناعتهم بخيار الزواج المدني.
في البداية، إعترفت الدولة ببعض عقود الزواج المدني اونلاين، حتى تراجعت فيما بعد وشطبتها من السجلات الرسمية بعد تسجيلها، لأسباب غير مفهومة وخلفيات مبهمة، بحجة ان الزواج عقد في لبنان، ما يخالف القوانين المرعية.
الى ذلك، رسالة رسمية من وزارة الداخلية الى السفارة اللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية كانت كافية لوقف متابعة كل المعاملات السارية والمتعلقة بالزواج أونلاين في ولاية يوتا الاميركية.
ما يقارب 70 زواجا عقدوا أونلاين بمعية نظام ولاية يوتا الأميركية، وبين مدّ المتزوجين وجزر الدولة وقوانين الأحوال الشخصية المطبقة التي تعود الى زمن الإنتداب الفرنسي في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت القرارات الشخصية والقناعات الضحية، لا بل أبعد من ذلك، الأطفال نتاج هذه الزواجات يدفعون ثمن انهم "وُلدوا في لبنان".
من ناحية أخرى، ينقسم واقع حالات الزواج الى ثلاث فئات:
- الفئة الأولى، الأشخاص الذين سجّل زواجهم وشطب فيما بعد (4 حالات).
- الفئة الثانية، وصلت اوراق المعاملات الى وزارة الداخلية ورفض تسجيلها.
- الفئة الثالثة، وهي الأكبر، وصلت أوراق المعاملات الى السفارة اللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية وتمّت إعادتها لأصحابها.
أين نشأ العقد؟
يرى المحامي والباحث في القانون، سليمان مالك، ان "الخلاف يكمن في أين نشأ العقد، وما فسرته الإدارة غير صحيح، بأن العقد نشأ في لبنان، مشدداً على أنه يجب أن ننظر الى أمرين. أولا، أين إكتمل، وإذا كان خارج لبنان إلزاماً على الإدارة تنفيذه، وإذا لم تنفذه تُرفع دعوى بحقها لإلزامها على تنفيذه".
ويوضح مالك أننا "ننطلق من نقطة أساسية تتمثل في أننا نراعي أحكام الزواج المعمول بها في لبنان، الذي تنظمه مراجع محددة في كل طائفة، في الوقت الذي يجب ان تكون فيه مقاربة الزواج المدني اونلاين قانونية علمية وبحثية، وليس لها اعتبارات لأي إدارة او لأي مرجع يقول هذا صحيح أو يجب تسجيله في الدوائر المختصة او عدم تسجيله".
ويلفت مالك الى أنه "عندما يرفض هذا الزواج إدارياً، لأسباب إنعقاده داخل لبنان وليس في الخارج، يمكن ان نقول لهذا المرجع، لا يمكنك أن تعمّم هذه الحالة، وهذه المسألة قانونية، ولا يؤخذ النص في المادة ان كان المادة 61 المشار اليها في الرسالة – علماً ان رقمها خاطىء وهي 16 وليس 61- أو المادة 25 من القرار 60، التي تتناول الزواج إذا عقد في بلد أجنبي".
ويضيف: "نحن أمام أشخاص تزوّجوا وفق نظام أميركي، نظام ولاية يوتا، وتواجدوا الى جانب بعضهما البعض، في موقع في لبنان، ولكن عقدا زواجهما عن بُعد بواسطة تطبيق تواصلي، مع المرجع الأميركي أو في أي دولة اخرى يكون مختصاً بتوقيع هذا الزواج، والمصادقة عليه، وإعطاءه الصفة الرسمية".
ويشدّد مالك على "مبدأ الرضائية في العقود، خصوصاً أن هذا العقد عقد مدنياً، إذ أن المكان الذي يتم فيه القبول يعتبر العقد قائما، كما أن العقود الشكلية Formalisme، كما حال عقد البيع لا يصبح رسمياً إلا إذا صادق عليه الكاتب العدل بعقد بيع ممسوح، الأمر نفسه هنا لا يكتمل إلا أذا وقّعه الكاتب العدل، بالتالي حتى لو قالا "نعم" في لبنان، الا إنه إكتمل في الولايات المتحدة الأميركية من خلال المصادقة عليه من قبل المرجع الرسمي هناك.
صحة الزواج "أونلاين"
يشدد مالك على أن "مدى صحة الزواج مرتبط بمفاعيله من ناحية الزوجين قبل الأولاد، ويجب ان نرى إذا إكتملت أركان هذا العقد، لنحدد مدى شرعيته وقانونيته تجاه الزوجين، مشيراً الى أن هذا الزواج تمّ عن حسن نيه من قبل الزوجين وراعيا أحكام قانون أميركي وهذا القانون يتم عن بعد سواء كانا بالقرب من بعض أو كل واحد منهما في دولة، مشيراً الى أن "فترة إنعقاد هذه العقود كانت فترة زمنية فرضت فيها قيوداً منها جائحة كورونا وظروفها القاهرة والوضع الإقتصادي والعجز في تأمين جواز سفر اللذين يبرران حسن نيتهما، إنما هذه الوقائع مكملة لكن المبدأ تحديد مكان إنشاء العقد".
وعن وضعية الأولاد قانونياً في ظل رفض الجهات الرسمية تسجيلهم كنتاج للزواج المعقود أونلاين، يعتبر مالك أن "المفاعيل تجاه الأولاد أنهم شرعيون، سجّل أم لم يسجّل، مشدداً على أنهما راعيا كل الشروط القانونية لإتمام زواجهما بصورة قانونية، إنطلاقاً من مبدأ حسن النية، ويطبّق عليهما مدى صحة زواجهما أمام المرجع الذي عقده، وهنا زواجهما صحيح وبالتالي المولود شرعي".
ويضيف: "هناك الكثير من الزواجات التي تحصل في لبنان ولا تراعي الشروط القانونية، لكن لا تحمل التبعة الى الأولاد، إذ يعتبر الأولاد شرعيين ولكن يشار اليهما ولا يسجلان، أي المرأة والرجل لا يكونا على الخانة ذاتها، مثلا لا يكون لديهما حقوق متبادلة في حال الوفاة، الخ.. إنما في الزواج اونلاين حالتهما مختلفة، فهما يريدان تسجيل زواجهما، .. كذلك، هناك زواجات تتم في لبنان ولكن لا تعتبر منشأة في لبنان، كأنها تمت في الخارج، لأسباب شكلية موضوعية".
طفل ينتظر .. وتزوج بقبرص !!
خليل رزق الله، كان أول من أقدم على خطوة الزواج المدني أونلاين مدنياً من لبنان منذ سنة وشهرين تقريباً وفق نظام الزواج المدني في ولاية "يوتا" الأميركية، عبر إحدى تطبيقات التواصل الرقمية. أقدم رزق الله مع شريكته على اتباع كل الإجراءات وفق الأطر القانونية، "كرخصة الزواج، والإحتفال وحصلنا على شهادة من الولاية عينها ومعترف بها في الولايات المتحدة الأميركية"، وفق رزق الله.
يواجه رزق الله اليوم مشكلتين أساسيتين، أولهما تسجيل زواجه وثانيهما معاناته في تسجيل مولوده في دوائر الأحوال الشخصية اللبنانية.
ويلفت رزق الله الى أنه في البداية سألنا إذا يمكن أن تسجل وثيقة الزواج في السفارة اللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية، وكان الرد إيجاباً، موضحاً انه تمّ تسجيل الوثيقة في القنصلية العامة في لوس أنجلوس، وأرسلت الى وزارة الخارجية ومنها الى الداخلية وسجلت في دوائر النفوس، وفي 20 ايار 2022 إستصدرت إخراج قيد عائلي ووثيقة زواج.
ويضيف رزق الله: "تنبهنا فيما بعد أن هناك حالات تتابع معاملاتها ولا تحصل على جواب، أكان من وزارة الداخلية أو من السفارة اللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية. وبعد البحث والتدقيق إكتشفنا أن هناك قرارا من وزارة الداخلية يقضي بأن الزواجات الحاصلة في ولاية يوتا اونلاين ليست قانونية. وفي 26 أيلول تمّ اصدار قرار بشطب زواجي، بالإضافة الى زواجين آخرين، ونفّذ القرار في ظرف يومين".
ويتابع رزق الله: "في هذا الوقت كانت زوجتي حامل، وفي تشرين الأول رزقت بطفلي، وما حصل أنني لا أستطيع أن أسجّل إبني لأنني لست متزوجا. إتصلوا بي من وزارة الداخلية وقالوا لي أننا سنسجّل الطفل وعند السؤال كيف، كان الجواب "ما تعتل هم".
ويشير رزق الله الى انه حين صدر القرار كنا خارج لبنان في الولايات المتحدة الأميركية، وعند علم الدوائر الرسمية أن أوراق المولود ستأتي من الخارج، كان الجواب: "لاء ما فينا نسجلوا". وكان الحل بالنسبة لهم أن "نتزوج في قبرص"".
ويلفت رزق الله الى أننا "تقدمنا بربط نزاع مع وزارة الداخلية، وأتى الجواب بالرفض وتمسكوا بما إعتمدوه من نقاط بنوا عليها قرارهم، وقدمنا إعتراضا الى مجلس الشورى الدولة، وننتظر الإجابة"، مشيراً الى أننا نحضّر دعوى لدى القاضي المنفرد للأحوال الشخصية، وسبق وقدمت دعوى في حالة أخرى، لأننا علمنا أن في مجلس شورى الدولة لا يأخذون قرارات في هذا الموضوع ويحيلونه الى القاضي المنفرد، وننتظر الإجابة من مجلس الشورى، وعند إصداره للقرار سنتقدم بدعوى عند القاضي المنفرد.
"tracking" المعاملة مفقود!
أما عمر عبد الباقي الذي تزوّج العام الماضي، فلا يختلف حاله كثيراً عن خليل رزق الله، ويقول في إتصال مع "نيوزفوليو": "لا نعلم أين أوراقنا، هل وصلت الى السفارة لكن السفارة في أميركا إلتزمت بقرار دائرة الأحوال الشخصية ولم ترسل المعاملة، أو وصلت الى لبنان ولم يفرج عنها".
ويضيف عبد الباقي: "نحن تأخرنا كثيراً في إرسال أوراقنا. في البداية أرسلنا الأوراق الأساسية وما تبقى كان إستصدار إخراج قيد عائلي، الا أنه بسبب إقفال الدوائر الرسمية في شهر تموز، تقدمنا بها في 5 ايلول، وفي ذلك الوقت كانوا قد ارسلوا الرسالة الى السفارة وأصبحت نافذة".
هذا غيض من فيض التخبط في لبنان.. نحن في دولة باتت فيها المطالبة بالدولة المدنية لا تتعدى الشعارات.. في دولة أضحت فيها الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية "قميص عثمان" يرتديها البعض عند إستحقاقات محددة للاستغلال السياسي فقط.. في دولة من كان خياره الزواج المدني إما لقناعات معينة أو للإختلاف الديني، ولا يملك كلفة السفر يعاقب برفض تسجيل زواجه، لإعتبارات صار فيها القانون ليّناً وخاضعاً لإجتهادات لحظوية، ومن قبل موظف، على الرغم من أن القوانين في بيروت ام الشرائع تحتاج الى تطوير ومواكبة للمتغيرات الإجتماعية والعلمية والثقافية. ومن جانب آخر، من الملحّ ان يطبّق القانون على نحو علمي وليس بإستنسابية مع مراعاة اعتبارات من هنا وهناك، وكيف اذا كان القانون مرتبطا بحياة الأشخاص الشخصية ومستقبل حياة اطفال ذنبهم الوحيد ان مسقط رأسهم هو لبنان.. فالى متى؟!.