لا يزال الحدّ الأدنى للأجور والدولار في سباق مستمر، ولكن دائما ما تكون الغلبة للأخير وبأشواط عديدة، ما جعل الأجور غير قادرة على التقاط أنفاسها، بخاصة مع التحليق المستمر لأسعار السلع والمحروقات.
فراتب اللبناني بالليرة اللبنانية لم يعد يكفيه لتأمين أبسط الإحتياجات، وصرخات العمّال تتعالى، ما يحرّك بين الحين والآخر عجلة لجنة المؤشر، لتفضي إلى زيادات محدودة للقطاع الخاص ومثلها لقرينه العام، ولكن بعنوان: «مساعدات».
بمراجعة سريعة، شهد العام 2022 زيادات عديدة لموظفي القطاع الخاص دخلت في أساس الراتب، فيما حصل موظفو القطاع العام على ما اصطلح على تسميته بالتقديمات الإجتماعية، الزيادة الخاصة بلغت 600 ألف ليرة ، و95 ألف ليرة بدل النقل اليومي، فيما المساعدة العامة صدرت عن وزير المال حينئذ، بإضافة أساس راتبين إلى الأول، للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين من مدنيين وعسكريين.
إقرار الاتفاق الأسبوع المقبل
مؤخرا تداولت وسائل الإعلام معلومات تشير إلى رفع الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 4 ملايين ونصف المليون ليرة، ورفع بدل النقل إلى 125 ألف ليرة في اليوم.
خبر أكّد صحّته لـ «الديار» رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، كاشفا عن اتفاق جرى بين الاتحاد وبين الهيئات الاقتصادية لرفع الأجور ضمن سلة متكاملة، بحيث سيرفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 4500000 ليرة، وبدل النقل إلى 125000 ليرة يوميا، كما ستضاعف التعويضات العائلية والمنح المدرسية 3 مرات، والسعي بأقصى سرعة لتحويل تعويض نهاية الخدمة إلى معاش تقاعدي، ولجنة المؤشر ستجتمع الأسبوع المقبل عند العاشرة صباحا بدعوة وزير العمل مصطفى بيرم لإقرار هذا الإتفاق الذي تمّ بالتشاور معه.
سلّة متكاملة بـ 10 ملايين ليرة
«واجهنا صعوبات بإقرار هذا الاتفاق، وما عُرض علينا قبلا منذ شهر لم يكن بالمستوى المطلوب»، بهذه العبارة اختصر الأسمر المخاض الذي سبق ولادة الإتفاق، لافتا إلى أنّ المعايير للموافقة على هذا الرقم ، هو أن تكون السلّة متكاملة بحدود 10 ملايين ليرة شهريا، وتشمل: رفع الحد الأدنى للأجور، رفع بدل النقل ليساوي تقريبا 3 ملايين ليرة، مضاعفة التعويضات العائلية التي ستزيد بحدود 350 ألف ليرة راتب شهري، زيادة بدل المدارس أو المنح المدرسية مليون ليرة شهريا على الراتب، وتحويل التعويض الى راتب تقاعدي ما يساعد بإعادة تحريك الضمان، مؤكدا على أنّ الحدّ الأدنى للأجور سيصرّح عنه بالكامل للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، ما سيرفد الصندوق بآلاف المليارات، ويؤهله أن يرفع كلفة الطبابة والاستشفاء.
سبق وطالب الأسمر بحدّ أدنى للأجور لا يقلّ عن 20 مليون ليرة، مطلب وصفه البعض بالتعجيزي، وقوبل بالرفض، لا سيّما من قبل الهيئات الإقتصادية. فلماذا قبِل الاتحاد العمالي العام هذا الرقم 10( ملايين ليرة)؟ وما الحد الأدنى وبدل النقل الذي يجب ان يكون عادلا للموظف في القطاعين الخاص والعام؟ يجيب الأسمر بأنّ المبلغ المطروح سابقا 20 مليون ليرة كحدّ أدنى للأجور، هو نتاج دراسة مشتركة بين الإتحاد العمالي العام وشركة «الدولية للمعلومات» وفق دولار 36 ألف ليرة ، فيما اليوم يجب أن يكون بحدود 30 مليون ليرة، لافتا إلى أنّنا قبلنا أقل من ذلك، بعد مفاوضات عسيرة وطويلة ضمن «فن الممكن»، ومبدأ «خذ وطالب»، مشدّدا على أن السرعة بتنفيذ الاتفاقات بهذه المرحلة ضرورية جدا، لإعطاء العامل جزءا من حقوقه عوض التسلح «بشعبوية» معينة، أو «التمترس» وراء أرقام محدّدة -هي حق للعامل- إنّما القدرة على تحقيقها بهذه المرحلة صعبة.
اضاف: كما رأينا أنّ هناك مؤسسات مفلسة أو تعاني وضعا إقتصاديا صعبا- علما أنّ هناك مؤسسات تعمل بشكل طبيعي ومداخيلها بالدولار- لكن كان يجب أن نوائم بين هذه الحالات حتى لا نضرّ بشكل كبير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهي غالبية المؤسسات بالقطاع التجاري او الصناعي أو الحرفي، حتى لا تفلس أو تصرف موظفيها.
ماذا بشأن القطاع العام؟
وعن القطاع العام، يشير الأسمر الى إنّ الاتحاد العمالي العام هو من سعى خلال السنة الماضية لإقرار أساس راتبين مقابل كل راتب لموظفي القطاع العام والمتقاعدين في الأسلاك العسكرية والمدنية ، علما أنّ ذلك غير كاف خاصة أن الدولار في تصاعد مستمر، كاشفا أنّ الاتفاق الجديد يشمل إعادة تقيــيم للراتب بالقــطاع الخاص في شبــاط في ضوء تطور ســعر صرف الدولار، مــشيرا إلى أنّ رفع بدل النقل سيــنطبق على القــطاع العام، ووُعـــدنا مع بداية العام الجــديد بإعادة النــظر برواتب القطاع العام ضــمن حوار يجري مع رئيـــس حكومة تصريف الاعمال ووزير الماليــة، مؤكدا أنّه يجـــب إعادة النظر برواتب القـــطاع العام، بخاصة أن ما يعطى لهم لا يدخل بصلب الراتب كما القطاع الخاص، حيث دخــلت الزيادات الــثلاث خلال سنة على صلب الراتب، ما سينعكس ايجـــابا على تعويض نهاية الخدمة، وهذا ما لا يحصل في القطاع العام، حيث ما زال الموظف يتقاضى راتبه الأساسي وفق دولار 1500 ليرة وتعويضه كذلك.
معارضة دولرة الرواتب!
كما بات معلوما، فقد «دولرت» الكثير من المؤسسات الخاصة رواتب موظفــيها جزئيا أو كليا، فيما لا يزال بعضها يدفع الرواتب بالعملة اللبنانية فقط، ما يطرح سؤالا حول إمكان التوصل الى صيغة قانونية تلزم المؤسسات الخاصة بإعطاء موظفيها ولو جزءا من راتبهم بالدولار كي يستطيع الموظف مجاراة ارتفاع الدولار والأسعار؟
حول هذه النقطة، اشار الأسمر الى أنّنا درسنا مفصلا إمكان إعطاء كلّ العاملين في القطاع الخاص رواتب جزئيا أو كليا بالدولار الأميركي، عملا بما هو جار في بعض مؤسسات هذا القطاع، إنمّا كان هناك معارضة من قبل الهيئات الاقتصادية وبعض المراجع الرسمية، لصعوبة تحقيق هذا الأمر بتصريح الاشتراكات بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، ومبالغ التسوية التي يدفعها أصحاب العمل، وتعويضات نهاية الخدمة، أو بالمبالغ التي يصرح عنها لوزارة المالية كضريبة دخل.
واعرب في المقابل عن رفض الاتحاد المواد الضريبية المجحــفة بالموازنة التي تنعــكس على من يتــقاضى راتبه جزئيا أو كليا بالدولار، مــطالبا بخفض حجم الضرائب، وأن يكون في قانون الموازنة الجــديدة 2023 أو في قانون خــاص مواد تلحــظ رفع التنزيل العائلي للتخفيف من قيمة الضرائب وتوســيع الشطور، وعدم اللجوء دوما الى مفاعيل رجعية، خاصة أن كل العاملين بالقــطاعات ومن يتقاضى رواتبه باللبناني أو الدولار صرح على أساس دولار 1500 ليرة أي الدولار الرسمي المعتمد حتى الشهر العاشر من العام 2022 ، والموظف والعامل ليس مسؤولا عن التأخير في درس الموازنة وإقرارها.
سنستمر في المطالبة برفع الحد الأدنى
الدولار في ارتفاع مستمر ويتوقع خبراء المزيد من هذا الإرتفاع، هل هذا يعني الاستمرار في رفع الحد الأدنى وبدل النقل؟ يجيب الاسمر: «سنستمر حتما في المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور والنقل وكلّ متممات الراتب، بما فيه التعويضات العائلية والمنح المدرسية اذا استمر الدولار في الارتفاع»، واشار الى أنّ ما يبلغ عن هذه الزيادات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سوف يدخل إليه آلاف المليارات من الليرات، وقد حصلنا على 1250 مليار ليرة هذه السنة من وزارة المالية من مستحقات مترتبة للضمان، ما يؤهله لرفع نسب الاستشفاء والطبابة التي أصبحت لا تساوي شيئا اليوم.
وقال الأسمر: «ما نفعله هو إضاءة شمعة في النفق المظلم، هو فعليا يساوي القليل أمام الغلاء الفاحش الذي نشهده، والارتفاع بكل الأسعار من سلع ومحروقات والمدارس والطبابة والاستشفاء والسكن، ما أفعله هو فنّ الممكن وسأستمر في المطالبة برفع الأجور وقيمة التعويضات اذا استمر الدولار في الارتفاع».
ختم قائلا: «إنّ كل علاج خارج إطار استقرار سعر صرف الدولار هو أشبه بعلاجات آنية ومرحلية لا تؤدي الى شيء، والمطلوب هو نوع من الاستقرار المالي يمهّد لاستقرار اقتصادي، وهذا يتطلب استقرارا سياسيا، واذا لم يحصل ذلك سنبقى في دوامة مفرعة قاتلة».
خلاصة القول، ما ينهض بالرواتب اللبنانيّة هو دولرتها أو دولرة جزء منها، لكنّه مطلب غير قابل للحياة على ما يبدو، والنتيجة زيادات تتآكل تدريجيا، ولن تستقر على مبلغ معين، إلا إذا استقر الدولار قبلها، فهل من مجيب لهذه المعادلة رأفة بالمواطن؟!!!