Advertise here

قنبلة موقوتة تهدّد بالأسوأ… أين الدبلوماسية اللبنانية؟

09 كانون الثاني 2023 07:42:32

خرق اللقاء الثلاثي غير المسبوق بين وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، في موسكو الأسبوع الماضي، المشهد الإقليمي وما يمكن أن يحمله من تطورات على خط الأزمة السورية على كافة المستويات. 
أعاد اللقاء تحريك ملف النازحين السوريين، علماً أن الدول الثلاث، الى جانب إيران، كانوا في مسار آستانة، وكان ملف النازحين حاضراً آنذاك بطبيعة الحال، لكن لم يرشح أي أمر واضح عن النقاش بهذا الملف. فهل من جديد سيطرأ اليوم؟

قبل الإجابة، من المفيد العودة الى المبادرة الروسية في العام 2018، التي نالت ضجة إعلامية لم تُترجم عملانياً لأسباب كثيرة، لكن أهمها ميدانية، وهنا لا بد من تسليط الضوء على منطقة القلمون والزبداني والقصير التي توقفت الحرب فيها بالكامل منذ العام 2015 ونزح أهلها عنها، وظنّ الروس أن بإمكانهم الانطلاق منها وإعادة حوالى 500 ألف نازح من أهلها الذي يقطنون بغالبيتهم المناطق الحدودية القريبة في عرسال وعكار، ولهذه الغاية أرسلت الشرطة الروسية في أواسط 2018 فرقة الى هذه المنطقة في محاولة لنشرها على الحدود بين لبنان وسوريا، لكن الاشتباك حصل حينها بين الروس وقوى الأمر الواقع في هذه المنطقة وفي طليعتها حزب الله، وكانت النتيجة انسحاب الروس منها. فهل من جديد يدفع موسكو لإعطاء ملف عودة النازحين أولوية اليوم؟ 

الخبير في السياسات العامة وشؤون اللاجئين زياد الصائغ اعتبر أن "هناك تعطّل للدينامية الروسية لإعادة النازحين الى هذه المنطقة في القلمون والزبداني والقصير كما الى مناطق أخرى بفعل الأمر الواقع الموجود"، مشيراً الى أن "لا إمكانية لإثارة ملف النازحين بشكل عملاني في اللقاءات الثلاثية الروسية السورية التركية، فالملف ليس أولوية لدى موسكو اليوم".
ولكن ماذا عن موقف دمشق؟ يجيب الصائغ، في حديث لموقع mtv: "النظام السوري يقول إنّه مرحّب بعودة النازحين ويريد إعادتهم، لكنه في الوقت نفسه أصدر مجموعة قوانين وإجراءات من مصادرة الأراضي في القانون رقم 10 الى سواه، والتي لا تساعد ولا تشجّع على إنجاز العودة".
وبينما أشار الى أن المديرية العامة للأمن العام اللبناني وضعت آلية ممتازة للعودة وكانت على تواصل مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، لفت إلى أنها اعتمدت آلية أن ترفع لوائح إسمية الى الجانب السوري للموافقة، حيث يُرفض البعض ويُقبل البعض الآخر. وبالتالي هذا يطرح تساؤلات عن التسهيلات بالمعنى العملي من دمشق بغض النظر عن البيانات التي تصدر".

وفي ما يتعلّق بالموقف التركي، فأنقرة جنّست منذ بداية الحرب السورية حوالى مليون و300 ألف نازح سوري، وهذا أيضا مدعاة تساؤل حول الجدية في العمل على  عودة الباقين وإلاُ لما قامت بتجنيسهم"، يقول الصائغ، ويضيف  "في حين أن ملف النازحين هو جزء من التفاهم الأوروبي التركي في موضوع الهجرة واللجوء، والأوروبيون يدفعون سنوياً للأتراك  مليارات من اليورو ضمن الاتفاق التركي-الأوروبي في سياق الشراكة في الأعباء. وبالتالي أشك بأن تكون عودة النازحين أولوية بالنسبة الى الأتراك اليوم".

ولكن إذا كان المناخ الاقليمي أو الدولي غير مهتم، أين الدبلوماسية اللبنانية؟ يجيب الصائغ: "صفر.. كل ما هناك هو "نق" واتهام للمجتمع الدولي بالعمل على التوطين وسواه. ولكن أين الحلول التي يقدمها لبنان على الطاولة؟ فبدل أن تذهب الدبلوماسية اللبنانية باتجاه فعّال بمسار جنيف ووضع موضوع النازحين على الطاولة، تذهب بمسار اتهامي للمجتمع الدولي الذي فشل في إنجاز حل سياسي في سوريا ما انعكس عملياً تأخيراً في عملية عودة النازحين، لكن هذا لا يعني بأن علينا أن نخضع لهذا الفشل، إنما يجب أن نطالب بدينامية دولية إقليمية تساعدنا على عودة النازحين إنّما ضمن معايير الأمم المتحدة وبالتنسيق معها، وليس بالطريقة الشعبويّة التي تعتمد اليوم في لبنان خصوصاً في ظل غياب سياسة عامة منذ العام 2012".

فهل قام لبنان بواجبه خصوصاً وأنه أقرّ سياسة عامة في العام 2021؟ يعتبر الصائغ "أن هذه السياسة العامة تحمل الأمر ونقيضه، فالمجتمع الدولي مطالب بمساعدتنا ولكن على لبنان القيام بواجبه ووضع سياسة عامة واقعية حول النازحين، وليس كما حصل أخيراً بعد الخلاف الذي خرج الى الإعلام بين وزيري الشؤون الاجتماعية والمهجرين. فالمطلوب الصوت العلمي لا السياسي لتصويب هذه المشكلة الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية الكبيرة".

الملف بات عبئاً ثقيلاً على البلد، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان وانعكاساتها الاجتماعية الخطيرة، يصبح ملف النزوح قنبلة موقوتة يهدّد بما هو أسوأ. ولكن للأسف يبقى التعاطي اللبناني الرسمي قاصراً عن مواكبة هذه الأزمة اليوم تماماً كما بدايتها.