Advertise here

هل هي أزمة في الاقتصاد أم في الأخلاق؟!

05 كانون الثاني 2023 20:37:34

استفاق اللبنانيون صبيحة العام الجديد، بعد ان عبروا عتمة العام 2022، على أمل أن يستقبلهم في أولى ساعات هذا العام نور الكهرباء الذي وعدوا به، لكن هذه الامنية لم تتحقق! وبدل ان يحظى اللبنانيون بساعات قليلة من الكهرباء (بين 8 و10 يوميًا) تخفف عنهم العتمة الشاملة وغلاء أسعار المولدات الخاصة، لوثوا آذانهم بسماع البيانات الاتهامية المتبادلة بين المعنيين في هذا القطاع ورئاسة مجلس الوزراء. كأن اللبنانين لا يكفيهم شر ما وصلوا اليه من قاع جهنم، ليضاف عليه تراشق الاتهامات هذا!! 
في شهر تشرين الأول 2022، وقبيل الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، رفعت الحكومة تعرفة الكهرباء والرسوم ذات الصلة بناءً على طلب مؤسسة كهرباء لبنان، وبعد موافقة كل من وزارة الطاقة والمورارد المائية والكهربائية ووزارة المالية. جاءت تلك الخطوة ضمن ما عرف بخطة الطوارئ، على أن تقترن بزيادة ساعات التغذية بين ثمانية وعشرة ساعات يومياً.

لكن حتى كتابة هذه السطور لم تتحسن التغذية الكهربائية بتاتاً، لا بل هناك بعض المعامل التي ستتوقف كلياً عن الانتاج بسبب فقدان مادة الفيول وفق البيان الصادر عن مؤسسة كهرباء لبنان بتاريخ 4 كانون الثاني 2023،. يتكبد المواطنون، بناءً على رفع التعرفة، 10 دولارات شهرياً تقريباً وفق سعر منصة صيرفة مع علاوة عشرون بالمائة، (وفق الرسالة الموجهة من المصرف المركزي الى مؤسسة كهرباء لبنان) وذلك قبل البدء بإحتساب ساعات التغذية. أي بحسبة بسيطة، اذا كان لدى مؤسسة كهرباء لبنان مليون ونصف مشترك بالحد الادنى، يعني بأن المؤسسة ستحقق ايراد شهري بدءً من شهر تشرين الثاني 2022، مبلغاً وقدره خمسة عشر مليون دولار، وهذه الايرادات لا تحتاج الى تكلفة انتاج بل تحتاج فقط الى كلفة جباية وهي جداً متدنية. يعني ذلك ان المؤسسة المذكورة ستحقق ايراد في الشهرين الاخيرين من العام المنصرم ما مقداره ثلاثين مليون دولار.

من حقنا ان نسأل، أين أموال مؤسسة كهرباء لبنان؟ وكيف تنفق؟ خاصةً وأن هذه المؤسسة وسلطة الوصاية عليها، كما باقي مؤسسات الدولة، تنقصها الشفافية والحوكمة الرشيدة، وينخر عظامها الفساد.

من حقنا ان نسأل، من سيدفع غرامات تأخير فتح اعتمادات بواخر الفيول الثلاثة المتوقفة على الشاطئ اللبناني والبالغة ثمانية عشرة الف دولار يومياً والتي وصلت بداية العام الحالي بعد المناقصة التي حصلت في النصف الاول من شهر كانون الاول 2022 ؟ هل ستدفع من حساب المؤسسة "الشفافة" او من حساب الخزينة العامة الفارغة، وبالتالي من جيوب المواطنين المغلوب على امرهم من حاكم متسلط؟! ولماذا لا يدفع من تسبب بالتأخير الغرامة من جيبه الخاص؟!

من حقنا ان نسأل، هل ان التدخل بعرض وبيع الدولار على منصة صيرفة، بما يفوق الستماية مليون دولار خلال ثلاثة ايام، لتستفيد منه المصارف والتجار والمتمولين وبعض النافذين، أهم من تقديم ضمانة للشركات المستوردة للفيول والغاز والتي رست عليها المناقصة للبدء بزيادة التغذية الكهربائية؟!

من حقنا ان نسأل، هل ان الامتناع عن تأمين الزيادة في التغذية، بغض النظر عن المسؤول عن هذا الامر، يهدف الى حماية كارتيل اصحاب المولدات الخاصة وشركات استيراد النفط؟!

نحن اللبنانيون المغلوب على امرنا من حاكم متسلط، لم يعد يعنينا هذا الاشتباك السياسي الحاصل والمعطل للمؤسسات حول احقية انعقاد جلسة لمجلس الوزراء من عدمها. لم يعد يعنينا اقرار سلفة او "ضمانة" لمؤسسة كهرباء لبنان بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء من عدمه. لم يعد يعنينا هذا الاشتباك السياسي العقيم، لاننا ندرك بأن من تسلم وزارة الطاقة منذ اكثر من عقد ونيف لا يأبه، كما باقي اركان السلطة المتسلطة، الا لصفقاته وسمسراته.

تساؤلات كثيرة تجول في رؤوس اللبنانيين المغلوب على امرهم من دون الحصول على ايجابات مقنعة. ولكن لسان حال الجميع هو: "أيها المسؤولون غير المسؤولون اخجلوا!"

اخطأ البنك الدولي حين صرح منذ عامين ان لبنان يمر بأسوء أزمة اقتصادية منذ قرن ونصف على مستوى العالم، فالحقيقة ان لبنان يمر بأسوء ازمة اخلاقية على مستوى السلطة السياسية، وهذا اسوء بأشواط من الازمة الاقتصادية.

(*) بقلم بروفسور أنيس بو ذياب - عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي الاجتماعي - عضو لجنة مؤشر الغلاء