الجولاني يتحدّى أنقرة ويعارض سياسة التقارب مع دمشق
03 كانون الثاني 2023
21:10
Article Content
كتب عبدالله سليمان علي "النهار العربي":
لم يكن زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، ليفكّر في الانخراط شخصياً في الاعتراض على السياسة التركية المستجدّة حيال الملف السوري لولا شعوره بفائض القوّة الذي بات يمكّنه من المشاغبة على "التعليمات التركية" وعدم الالتزام بأوامرها، كما تفعل باقي الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء "الجيش الوطني السوري".
وقد يكون "الاستعراض" و"الرغبة في إحراج مؤسسات المعارضة السورية" من بين الأهداف التي دفعت الجولاني إلى الظهور أمس في كلمة مرئية بعنوان "لن نصالح"، منتقداً فيها سياسة التقارب التركي مع سوريا، غير أن أهداف الجولاني هي أبعد من ذلك بكثير لا سيما أن مصيره الشخصي ومصير جماعته أصبح على المحكّ ما لم يستطع اجتراح استراتيجية جديدة تخوّله الالتفاف على متطلبات التقارب، إن لم يكن السعي إلى الحصول على دور ما في هذا التقارب أو لمرحلة ما بعده.
وقال الجولاني في كلمته إن "الثورة السورية تواجه تحدياً جديداً في نضالها المستمر بوجه النظام المجرم وحلفائه"، مشيراً إلى أن "المباحثات التي تجري بين النظام وحليفه الروسي مع الجانب التركي تُعد انحرافاً خطيراً يمس أهداف الثورة السورية". ورفض الجولاني المصالحة، متوعداً بإسقاط النظام وبناء دمشق من جديد، محذراً النظام بالقول: "لا تفرح بما يجري، فما مضى أكثر مما بقي واقتربت ساعتك".
وفي محاولة واضحة لاستقطاب الجماعات والفصائل الرافضة لفكرة المصالحة، أوضح الجولاني في كلمته، "أننا أعددنا عدتنا وهيأنا أنفسنا لأيام عظيمة قادمة، وهذه دعوة منا لكل مخلص أن يبذل الجهد ويسعى بصدق ويضع يده بأيدينا ويصطف إلى جانبنا في مواجهة هذه التحديات ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام المجرم".
وجاءت كلمة الجولاني تتويجاً لسلسلة من المواقف التي صدرت عن بعض الشخصيات القيادية في "هيئة تحرير الشام" عقب اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي في موسكو نهاية العام الماضي 2022. وقد هاجم ميسر بن علي، المعروف بلقب أبو ماريا القحطاني، وهو عراقي الجنسية، ومن القيادات البارزة في الهيئة ورفيق درب الجولاني منذ أيام القتال في العراق تحت راية "دولة العراق الإسلامية"، "داعش لاحقاً"، تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، التي تحدث فيها عن عدم اعتراض المعارضة السورية على الخطوات التركية، ووصف من يتظاهرون ضد تركيا في الشمال السوري أنهم فئة قليلة صاحبة مصالح ضيقة.
وغرد القحطاني على حسابه في تويتر قائلاً: تصريحات وزير الخارجية التركي وبكل وقاحة أن من يرفضون المصالحة هم قلة! المصالحة خيانة وحاشا لله أن يخذل من ينصر أهله فمن لم يكترث لدمائنا لن يقرر مصيرنا".
كذلك استنكر القيادي المعروف في "هيئة تحرير الشام"، مظهر الويس التصريحات التركية واللقاء مع النظام السوري قائلاً: "لعنة بشار ستلاحق كل من يقترب منه، ومن لم يصدق فليعتبر بالواقع المشاهد وما مصير بشير السودان وحرب روسيا وأحداث الأردن وإيران عنا ببعيد. سنن الله لن تحابي أحداً، ولعنة دماء أهل الشام ستمحق من يفرط فيها، والعاقبة لمن يقف في صف المظلومين المستضعفين ويناصرهم تمسكاً بمكارم الأخلاق".
وبقدر ما تشير هذه التصريحات إلى التباين السياسي القائم بين التوجهات التركية الساعية للتقارب مع دمشق، وتطلّعات "هيئة تحرير الشام" المتمثلة في إقامة دويلة إسلامية مستقلة، تظهر المخاوف التي بدأت تشق طريقها إلى قيادات الصف الأول من "هيئة تحرير الشام" نتيجة عدم ثقتهم بما يجري التوافق عليه في أروقة الاجتماعات الثلاثية، ومدى تأثيره ذلك على مصيرهم ومصير جماعتهم ومشروعهم.
وأفادت مصادر جهاديّة مطّلعة "النهار العربي" أن الجولاني أراد من خلال ظهوره الأخير ممارسة نوع من الضغط على تركيا لدفعها إلى ممارسة سياسة أكثر شفافية مع "هيئة تحرير الشام" وإبلاغها بمضمون الاجتماعات التي جرت مع الجانب السوري وجدول الاجتماعات التالية وما هي غايات وأهداف هذه الاجتماعات وكيفية انعكاسها على "المناطق المحررة".
وأضافت المصادر أن الجولاني يعتبر أن ما يجري بمثابة المنعطف الخطير الذي من شأنه أن يُنهي سنوات التهدئة. وكان الجولاني منذ عام 2018 وعقب توقيع أول تفاهم ثنائي تركي – روسي بخصوص إدلب قد أبلغ قادته أن "إدلب بخير، وأن أمامهم سنوات طويلة من الهدوء في إمكانهم استغلالها للتفرغ لأعمال الاستثمار وبناء الدويلة"، ولكن يبدو أن هذه المرحلة انتهت بعد اجتماع وزراء دفاع الدول الثلاث، وأن إدلب مقبلة على مرحلة جديدة سوف تشتد فيها الضغوط على "هيئة تحرير الشام" إما للرضوخ للإرادة التركية والاندماج مع باقي الفصائل الموالية لها أو لإجبارها على تنفيذ ما يصدر عن الاجتماعات الثلاثية من مقررات تهدف إلى تكريس التقارب بين دمشق وأنقرة.
وتخشى "هيئة تحرير الشام" من آلية التنسيق الأمنية التي وضعتها تركيا وروسيا وإيران بموجب اجتماعات آستانا والتي تهدف إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية. وتعتبر الهيئة أنها مستهدفة بموجب هذه الآلية التي قد تكون الظروف نضجت لتفعيلها وتنفيذ بنودها.
وتدرك الهيئة أن الخطوة الأولى المطلوبة روسياً وسورياً من تركيا لإثبات جديتها في نهجها التصالحي الجديد هو العمل على فتح الطريق الدولي "أم فور" الذي يربط بين اللاذقية وحلب ويمر عبر مناطق سيطرة الهيئة في إدلب.
كما أن الهيئة كانت قد سيطرت على مدينة عفرين في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وما زالت قواتها الأمنية تسيطر على الأرض هناك تحت ستار الفصائل المتحالفة معها، وذلك برغم كل الضغوط التركية الرامية لإخراجها من المدينة.
وعليه يشعر الجولاني أن لديه من أوراق القوة ما جعله يخرج ليندد علناً بالسياسة التركية ويمارس الضغوط عليها لعله إذا لم يستطع عرقلة سياسة التقارب مع دمشق أو "المصالحة" كما يسميها، فقد يكون في إمكانه حجز دور مستقبلي له في تنفيذ مخرجات التقارب كما أثبت في السنوات الماضية أنه كان قادراً على التعايش مع مقررات آستانا وصولاً ليصبح عرّاب تنفيذها وحامي أهدافها.