في منتصف شهر آب من العام الماضي، وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، عادت حركة طالبان إلى مقاعد السلطة، بعد غياب استمر عشرين عاما.
يومها سارعت العديد من الدول والمنظمات الحقوقية إلى التعبير عن قلقها حيال ما ينتظر الأفغان وخصوصا النساء منهن، ولكن دون أي إجراءات حقيقية تضمن أن عقارب الساعة في أفغانستان لن تعود للوراء، وأن طالبان لن تنتقم من النساء فقط لكونهن نساء وتلغي مفاعيل نضال وإنجازات حققتها المرأة الأفغانية على مدى العشرين عاما الماضية.
حاولت طالبان حينها القول إنها تغيرت، وأرسلت رسائل تطمينية في ما يتعلق بموضوع المرأة تحديدا، وحث يومها عضو لجنة طالبان الثقافية إنام الله سمنغاني النساء على الانضمام إلى الحكومة الجديدة، قائلا: يجب على جميع الأطراف الانضمام، فالإمارة الإسلامية، وهو الاسم الذي تستخدمه طالبان لوصف حكمها بأفغانستان، لا تريد أن تكون النساء ضحايا.
ولكن من يصدق طالبان؟ ومتى صدقت طالبان؟
فها هو وزير التعليم العالي محمد نديم يأمر بوقف تعليم الطالبات في الجامعات الخاصة والعامة في أفغانستان، معتبرا أن «تعليم الفتيات في الجامعات العلمانية مخالف لقوانين الإسلام ومخالف للتقاليد الإسلامية». ولكنه لم يخبرنا ولم يخبر الأفغانيات من أي نص استوحى هذه «الحرمانية»، ولم يكتف بذلك، فقد أزعجته الإدانات الدولية لقراره، فصرح بأنه لن يتراجع عن قرار منع التعليم الجامعي للنساء «حتى لو ألقوا علينا قنبلة ذرية»، مبديا استعداده لأي عقوبات دولية قد تفرض من جانب المجتمع الدولي بسبب القرار.
لم تكتف طالبان بحرمان الفتيات والنساء من التعليم الثانوي والجامعي، بل أصدرت أيضا مرسوماً في 24 كانون الأول، منعت بموجبه النساء من العمل لدى المنظمات غير الحكومية، وهذا الحظر لم يشمل فقط النساء الأفغانيات، بل جميع النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية.
وإن كان العالم قد سارع للتنديد بقرارات طالبان، فالمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، دعا ما سماها سلطات الأمر الواقع في أفغانستان إلى إلغاء مجموعة من السياسات التي تستهدف حقوق النساء والفتيات على الفور، مشيراً إلى تداعياتها «الرهيبة والمتراكمة» على حياتهن. وأصدر مجلس الأمن بيانا دعا فيه أعضاء المجلس حركة طالبان إلى «إعادة فتح المدارس وعكس هذه السياسات والممارسات التي تمثل تآكلا متزايدا لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بسرعة».
بدوره أعرب الاتحاد الأوروبي عن إدانته لقرار طالبان، وقالت الناطقة باسم مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، نبيلة مصرالي، في بيان «إن الاتحاد الأوروبي يدين بشدة قرار طالبان الأخير بمنع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية». وأضاف البيان: «نقيّم الوضع وتأثيره على تقديمنا للمساعدات ميدانيا».
ولكن هل حقا تفاجأوا بقرارات طالبان بحق النساء، هل كانوا يتوقعون أن تحقق طالبان حليفة القاعدة وربيبتها المساواة والعدالة للمرأة الأفغانية؟ ما الذي كانوا يتوقعونه حقا من حركة كحركة طالبان يوم أعيد تسليم أفغانستان لهم على طبق من الفضة بعد الانسحاب الأميركي «العشوائي»الذي شاهده العالم أجمع، وشاهد كيف حاول الأفغان الهروب مما كان ينتظرهم، لقد عرف الشعب الأفغاني أن طالبان 1996-2001 هي نفسها طالبان 2021، وأن لا شيء تغير.
أليس من البديهي القول إن حركة متطرفة ذات تنظيم آيديولوجي ديني لا يمكن لها أن تتغير؟ وهل سنتفاجأ مجددا إن اتخذت الحركة غدا قرارا يحظر على النساء والفتيات مغادرة منازلهن، وأكثر؟
واللافت للنظر حقا أن طالبان اختارت توقيت إعلانها بمنع تعليم النساء في ذروة المواجهة الشجاعة والعظيمة لنساء إيران مع نظام الملالي في طهران (الوجه الآخر للتطرف الديني)، لقد شكل القرار الطالباني لحظة فرح في طهران،لأن التركيز في الإعلام العالمي انتقل من تغطية حق الإيرانيات في الحرية إلى حق الأفغانيات بالحياة والتعليم، فهل يمكن أن يكون هناك أفضل من هذا الطوق للنجاة الذي مدته طالبان لملالي طهران؟!
بعد أيام من الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسيطرة طالبان على الحكم، كتبت في هذه الصفحة مؤسف ومحزن ومقلق ما ينتظر المرأة والفتاة في أفغانستان بعد نضال استمر سنوات طويلة قد تعيدهن «قذارة الصفقات» إلى نقطة الصفر. ولكن يبدو أن الخذلان ليس وحده قدر المرأة الأفغانية ولكن أيضا النضال، فها هن نساء أفغانستان تبدين مقاومة بطولية للمطالبة بحقوقهن الأساسية كحق التعليم وحق العمل، وكأن قدر المرأة الأفغانية، كما الإيرانية اليوم، أن يحملن شعلة تحرير مجتمعاتهن من آفة التخلف والقمع والجهل.