Advertise here

الأزمة تتخطى الرئاسة والحل الخارجي مؤجل... "العوني" يعبث بالصيغة و"حزب الله" يتأهب لـ"الحسم"!

02 كانون الثاني 2023 07:39:08

الاجواء السياسية السلبية المخيّمة على لبنان لا تفسح في المجال لإحداث خرق في جدار الملف الرئاسي، بل أنها تدفع البلاد إلى مزيد من الانهيار والفوضى. فالخلافات بين القوى السياسية والطائفية وصلت إلى منعطف لم يعد متاحاً فيه الالتقاء على عناصر مشتركة تؤسس للتسوية وتفتح الطريق نحو حل شامل للمشكلات بما فيها الاستحقاقات الدستورية. استمرار الكباش السياسي يمنع حدوث تحول كبير يحقق اختراقاً في الاستحقاقات. وفيما يعيش لبنان انهياراً غير مسبوق في تاريخه وأزمات تحمل الكثير من الاستعصاءات، لا مؤشرات تدل على أن القوى الحاكمة التي تتشارك المحاصصة والتنفيعات في مختلف القطاعات، يمكنها التوافق على العبور نحو الاستحقاقات، وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية كخطوة نحو الانقاذ، وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة وإعادة النهوض وتحقيق التعافي، وقبل ذلك وقف الانزلاق إلى الهاوية، وهو ما بات يطرح تهديداً وجودياً للبلد وهويته وصيغته الحالية التي ينظمها اتفاق الطائف.

كل التوقعات تشير إلى أن الأزمة ستطول، في ضوء الكباش المستمر حول الحكومة والصلاحيات والرئاسة. وبينما يسعى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى عقد جلسة وزارية لإقرار بنود ملحة، يواجه بحملة كبيرة من التيار الوطني الحر لتعطيلها، ما يدفع الأمور إلى مزيد من الاصطفافات والانقسامات. اللافت أن التيار العوني يلعب على الورقة المسيحية في موضوع الحكومة، ويسعى إلى إحراج قواها للتكتل حول موقف يعتبر أي جلسة تشكل استفزاراً واستئثاراً يتخطى كل المسيحيين وموقعهم في الحكم. وعلى الرغم من إصرار ميقاتي لعقد جلسة جديدة للحكومة إلا أن التوقعات تصب في امكان تعطيلها بفقدان النصاب هذه المرة، ليس من وزراء التيار العوني فحسب، إنما أيضاً من قوى أخرى وفي مقدمها "حزب الله" الذي لم يحدد موقفاً نهائياً من الجلسة وهو الذي يعمل على إعادة مد الجسور لترتيب علاقته بالتيار وعدم إيصال الخلافات إلى حدود القطيعة.

وإذا كان اجتماع الحكومة لا يغيّر من المعادلات القائمة شيئاً، ولا يؤثر في انجاز الاستحقاقات الرئاسية، فإن الأزمة في البلاد باتت تتخطى القوى الداخلية وقدرتها على انتاج تسوية للملفات العالقة. فالمؤكد أن اصطفافات سياسية جديدة ستظهر في ضوء الانسداد القائم، حيث تشير المعلومات إلى أن المواجهات قد تأخذ منحى تصاعدياً في محاولة لتكريس توازنات جديدة. وبينما تتقاذف القوى السياسية اللبنانية المسؤولية عن الفراغ الرئاسي وفشل جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس، إلا أن الأمر بات أبعد من ذلك، وإن كانت بعض الاطراف المقررة والممسكة بزمام الامور خصوصاً "حزب الله" تقدم نفسها اليوم أنها تسعى إلى التوافق والتهدئة لعبور المرحلة الصعبة في لبنان. الواقع أن الجميع لديهم رهانات على تغيير ما في المشهدين الإقليمي والدولي يسمح بتعديل وجهة البلد ونظامه، إلا أن الحل الدولي لم يحن أوانه بعد نظراً لمصالح الدول المهتمة بلبنان، المعقدة، وحساباتها في أكثر من مكان.

وحتى الآن لا يمكن الجزم بأن اي مباحثات دولية أو إقليمية ومن بينها سعودية- إيرانية يمكن أن تتفق على مسار واضح للمشكلة اللبنانية، طالما ان التباعد في الرؤى هو السائد. فإيران تعتبر أن لبنان هو جزء من مشروعها واستراتيجيتها ولديها "حزب الله" الذراع القوي الذي يمتلك فائض قوة قد تحركه في أي وقت، وبالتالي لا تتنازل عن موقعها في هذه الساحة، فيما السعودية لا تزال تترقب الوضع القائم وترفض بالتالي أن يكون "حزب الله" مقرراً في أي تسوية أو حكومة جديدة.

التهدئة التي يمارسها "حزب الله" لاستيعاب التطورات الداخلية والإقليمية قد تتبدد في المرحلة المقبلة، فالمعلومات تشير إلى أن الحزب قد يعلن مواقف تحمل الكثير من التصعيد، بعد فترة منحها للتهدئة. وهو ينطلق من مقاربة ترى أن الولايات المتحدة ودول عدة تستمر بحصار البلد، ولم يعد من خيار إلا المواجهة واستخدام فائض القوة والتأثير لفرض وقائع جديدة تؤدي إلى انتخاب رئيس "لا يطعن المقاومة" في الوقت الذي لا يزال فيه يتبنى سليمان فرنجية لهذا الموقع. وهذا التصعيد لا يقتصر فقط على لبنان، إنما قد تكون له امتدادات إقليمية لإثبات قدرة قوى الممانعة على رفع ما تسميه بالحصار والطوق المفروض.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والسعودية لم يعلنا دعمهما لاي مرشح رئاسي، إلا أن "حزب الله" يعتبر أن هناك محاولات لتأمين نصاب وتكتلات تؤدي إلى انتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيساً، وهو لا يزال يميز فرنسا التي لا تقفل الباب أمام أي تسوية قد تؤدي إلى انتخاب عون أو سليمان فرنجية رئيساً أو أي اسم، فالمهم بالنسبة اليها هو عبور الاستحقاق وتسجيل انجاز على هذا الصعيد. أما العائق الأكبر أمام الحزب داخلياً، فيبقى تأمين تغطية مسيحية لانتخاب مرشحه، وهو إذ يدرك أن الانقسام المسيحي يشكل عائقاً، إلا أنه يركز على ترتيب تسوية مع التيار الوطني الحر وتطويع جبران باسيل تحديداً الذي يرفض نهائياً ترشيح سليمان فرنجية أو جوزف عون للرئاسة.

الصراع الحالي الذي يمكن أن يشهد تصعيداً في المرحلة المقبلة ويضع البلد أمام احتمالات انهيار كبرى، يواكب الفراغ ويمده بعناصر الاستمرار. ولعل أبرز الدلائل على ما يمكن أن يترجمه الصراع كانت المواجهة العلنية بين رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، وهي مؤشر إلى ما قد تذهب إليه الأمور، ومحاولة للقفز فوق الازمة، إلى حد اعتبار عون أن عهده الرئاسي هو من افضل العهود، فيما يقدم بري نفسه أنه صاحب مشروع دولة. والأخطر أن حملة التيار الوطني الحر في موضوع الحكومة قد تؤدي إلى مزيد من الفوضى، خصوصاً وأنه يتهم ميقاتي، بالسعي إلى الاستئثار ومصادرة صلاحيات المسيحيين ورئاسة الجمهورية، ويحاول التيار تعويم نفسه من هذه الزاوية، ولتبرئة عهد عون، إلى حد المطالبة بالانفكاك أو الضغط لإحداث تعديلات في الدستور.

التصعيد يبدو أنه سيكون سمة المرحلة المقبلة، داخلياً وخارجياً، إذ لم يعد ممكناً الحديث اليوم عن صفقة إيرانية- أميركية حول المنطقة ومنها لبنان، وهذا ينعكس على إمكان إيجاد حل أو بلورة تسوية مع "حزب الله". كذلك أخفق الفرنسيون في دفع التسوية الى الأمام وإذ تسعى فرنسا الى عقد طاولة رباعية تجمع السعودية وقطر والولايات المتحدة حول لبنان، إلا أن قاطرة الحل اللبناني يلزمها تسويات أكبر من ذلك. ولذا تبدو الحركة الدولية المهتمة بلبنان غير آبهة أو أن أولوياتها ضمن المصالح المتشابكة والمتضاربة ايضاً لا تدفع الأمور إلى إيجاد حل عبر الضغط، خصوصاً من جانب الأميركيين الذين لا يهتمون سوى بملف النفط والغاز، وتشغلهم ملفات دولية من أوكرانياً إلى الصين.

في هذه المحصلة يبقى لبنان في حالة انتظار وفوضى، وتسعى القوى السياسية والطائفية إلى تحسين مواقعها من خلال الاصطفاف في بيئاتها، ويتواصل الانهيار في غياب أي خطط انقاذية جادة. ولعل الصراع الذي بدأ يأخذ اتجاهاً مختلفاً يرتبط بهوية البلد وبتركيبة نظامه وصيغته قد يفجر الوضع إذا استمرت الامور على ما هي عليه، وقد يغير من لبنان الذي نعرفه ويكسر صيغته القائمة على توازنات طائفية دقيقة.