عكّر صفو يوم الميلاد لدى أهالي بلدة بريح في منطقة الشوف (جبل لبنان)، رسوم وصور جماجم وضعها مجهولون على منازل عائدة لمسيحيين في البلدة، وأثارت هذه الصور التي تناقلها ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي موجة استياء سياسي وشعبي، وتقاطعت مواقف الأحزاب والقوى السياسية على رفضها ودعوة الأجهزة الأمنية إلى كشف فاعليها، حتى لا تستثمر طائفياً وتقود إلى توتير الأجواء في الجبل، الذي طوى صفحة الحرب.
وسارعت بلدية بريح إلى محاولة احتواء ما حصل. وأشارت في بيان إلى أنه «منذ العام 2014 تاريخ العودة إلى بلدة بريح والمصالحة الوطنية التي جرت حيالها، وبلدتنا تنعم بالاستقرار والعيش المشترك والواحد بين جميع أبنائها». وأكدت البلدية، أن هذا الموضوع «قيد المتابعة الحثيثة مع سائر القوى الأمنية من أجل تبيان الحقيقة إذا كان الذي حصل فردياً أم بهدف إثارة الفتن ومحاسبة الفاعل أياً كان ولأي جهة انتمى».
أما مسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي في بريح وجوارها سهيل أبو صالح، فقد رأى، أن الحادث «أعاد تثبت نموذج العيش المشترك في هذه البلدة، بدليل أن الأهالي وضعوا الحادث خلفهم». وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأهالي «واثقون بأن من يقف وراء هذه الرسوم يحاول النيل من أبناء بريح المسيحيين والموحدين الدروز، الذين لم ولن يتأثرون بما حصل، لكنهم يطالبون بأن تأخذ العدالة مجرها وتقتص من الفاعل أياً يكن». وقال «الأجواء في البلدة كانت وما زالت هادئة والكل يعيش فرحة الميلاد المجيد ورأس السنة باحتفالات وأجواء كانت وما زالت توحد تجمع أهالي بريح على السراء والضراء».
الأحزاب السياسية ذات الحضور السياسي الفاعل في الجبل، تحسست خطورة هذه الرسالة وأبعادها، وأجمعت على وضع الأمر بيد القضاء والأمن، وطالب عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب بيار بو عاصي الأجهزة الأمنية بـ«الإسراع بكشف الفاعلين وتوقيفهم». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المقصود من هذا العمل التخريب والتوتير وخلق أجواء فتنة خرج منها الجبل ولن يعود إليها». وشدد بو عاصي على أن «العملية لن تؤدي إلى توتير الأجواء، والناس في بريح تتفاعل مع بعضها إيجاباً، لكن في الوقت نفسه نحن نصرّ على أن يأخذ القانون مجراه لأن ما حصل تهديد مباشر لأمن بريح والجبل». وتقع بلدة بريح المختلطة من المسيحيين والدروز في منطقة الشوف، وهي البلدة الوحيدة التي تأخرت العودة المسيحية إليها حتى 17 مايو (أيار) 2014، من خلال المصالحة بين أبناء البلدة، التي رعاها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
وأكد أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي، ظافر ناصر، أن الحزب «طلب من الأجهزة الأمنية كافة أن تتحرّك بسرعة، والّا تتهاون مع هذا العمل المدان». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «تواصل حصل بين مسؤول الحزب في الجبل عمر غنّام مع عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب جورج عدوان وعضو تكتل «لبنان القوي» (الموالي للرئيس السابق ميشال عون) النائب غسان عطا الله، لتطويق ما حصل وعدم إعطائه أبعاداً حزبية أو طائفية من شأنها النيل من مصالحة الجبل».
وتأتي هذه العملية غداة التباينات السياسية القائمة بين الحزب الاشتراكي من جهة وتيار عون، خصوصاً بما خصّ ملفّ الانتخابات الرئاسية، ودعا ظافر ناصر إلى «وضع كلّ هذه الاحتمالات في الحسبان لأن المتربصين بأمن الجبل كثر، سواء الذين يريدون ضرب المصالحة أو ضرب الاستقرار في الجبل أو اللعب على التناقضات بين الأحزاب». وإذ فضّل عدم استباق التحقيق اعتبر أن «الأساس هو حماية جوهر مصالحة الجبل مع كلّ الأطراف السياسية، وعدم السماح لأحد بضرب هذا الخيار الاستراتيجي».
وآثر عضو تكتل «لبنان القوي» النائب فريد البستاني عدم إطلاق المواقف والاستنتاجات قبل انتهاء التحقيق. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا العمل مرفوض، ومن يقم به يعرّض السلم الأهلي في الجبل وفي البلاد للخطر»، لافتاً إلى أن «لا أحد لديه رغبة أو مصلحة بإثارة الفتن وضرب العيش المشترك؛ ولذلك يجب على الأجهزة الأمنية تحديد الفاعلين ومن يقف وراءهم بسرعة».
من جهته، أكد عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» (الاشتراكي) النائب بلال عبد الله، في تغريدة على حسابه عبر «تويتر»، أن «المصالحة الحقيقية في الجبل والعيش الواحد فيه، لن تعكره الممارسات الصبيانية، واستحضار شعارات غريبة عن بيئتنا».
أما نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان، فاعتبر أن «ما حصل في بريح لا يعكس المناخ العام السائد في الجبل، حيث يسود الأمن والاستقرار والطمأنينة». وشدد على أن «الحادثة أتت من خارج السياق العام وهي مفتعلة من مغرضين لن يتمكّنوا من تعكير صفو هناء الحياة في بريح والجبل».