Advertise here

قمة عمّان حول العراق: اتفاق على احترام مبادئ حسن الجوار

22 كانون الأول 2022 11:45:21 - آخر تحديث: 22 كانون الأول 2022 14:05:56

أكّد البيان الختامي لـ "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" في دورته الثانية، والذي انعقد في منطقة البحر الميت في الأردن، بدعوة من الملك الأردني عبد الله الثاني، وبعد التنسيق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وقوف الدول المشاركة في المؤتمر إلى جانب العراق في مواجهة جميع التحديات، بما في ذلك تحدي الإرهاب. كما أشار البيان إلى التزام المشاركين في المؤتمر  "استمرار العمل للبناء على مخرجات الدورة الأولى لمؤتمر بغداد، والمضي في التعاون مع العراق دعماً لأمنه واستقراره، وسيادته ومسيرته الديمقراطية، وعمليّته الدستورية وجهوده لتكريس الحوار سبيلاً لحل الخلافات الإقليمية"، وأكّدوا دعمهم للعراق في جهوده لـ "ترسيخ دولة الدستور والقانون، وتعزيز الحوكمة، وبناء المؤسّسات القادرة على مواصلة التقدم، وإعادة الإعمار وحماية مقدراته وتلبية طموحات شعبه"،  ودعمهم جهود العراق لـ "تحقيق التنمية الشاملة،  والعمل على بناء التكامل الاقتصادي والتعاون معه في قطاعاتٍ كثيرة تشمل الطاقة والمياه، والربط الكهربائي، والأمن الغذائي والصحي، والنقل ومشاريع البنية التحتية وحماية المناخ".


ومنذ استقالة رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، استشعرت المملكة الأردنية الهاشمية أجواء القلق الأمني من الحدود العراقية مجدداً لناحية إبعاد العناصر الجهادية، ووكلاء إيران المسلّحين، والتهديدات الأخرى عن حدوده الشرقية. إلّا أنّ عمّان كانت الوجهة الأولى لرئيس الوزراء الجديد بعد تشكيله الحكومة، مما أدى إلى تهدئة بعض مخاوف المسؤولين، حيث مؤتمر بغداد فرصة للبناء على هذا الزخم، ويبدو أن السوداني مستعدٌ لتلبية هذا الطلب.

تنظر عمّان إلى العراق أيضاً من باب تحسين الاقتصاد الأردني بعد أن عانت المملكة من سلسلة من الانتكاسات الاقتصادية بسبب التطورات الإقليمية على مدى العقدين الماضيين، ولهذا يشكّل مسار  تعميق العلاقات مع بغداد أحد السبل الكفيلة للتعافي من هذه النكسات، مما دفع عمّان إلى توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية والمتعددة الأطراف مع بغداد على مدى السنوات الأخيرة على الرغم من أنّ هذه الاتفاقيات لا تزال في مراحل متفاوتة من الاكتمال. ويسعى الأردن على وجه الخصوص إلى الحصول على نفطٍ موثوق ورخيص، وذلك جزئياً من خلال عرض نفسه كطريق عبور للنفط الخام العراقي في البحر الأحمر عبر خط أنابيب مخطّط له بين البصرة والعقبة. وكان البلدان قد أطلقا خلال حكومة الكاظمي مشروعاً لربط شبكتيهما الكهربائية في تشرين الأول. وينظر الأردن بشكل متزايد إلى العراق كسوق تصدير أيضاً.

من وجهة نظر بغداد، يوفّر المؤتمر فرصاً كبيرة للسوداني على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث يُنظر إليه كأحد الشخصيات الموالية لإيران، لذا فإنّ المشاركة في حدثٍ إيجابي متعدد الأطراف هي إحدى السُبل لطمأنة الجهات الخارجية الداعمة للعراق، وقد يستفيد منها السوداني أيضاً لبناء علاقة مع الجيران العرب حول العناوين الاقتصادية والتعاون الأمني وغير ذلك، وبشكلٍ خاص مع دول الخليج التي تخشى التهديدات التي تشكّلها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.
 
ومن وجهة نظر فرنسا، الراعية الأساسية لهذا المؤتمر، تُعدُّ قمة بغداد 2021، وقمّة عمّان هذا العام، جزءاً من نهجها القائم على "دبلوماسية المؤتمرات"، وحيت تنظر إلى أنّ العراق كنقطة التقاء رئيسية للجهات الإقليمية النافذة، مثل إيران والسعودية وتركيا. و يرى المسؤولون الفرنسيون أنّ العراق يشكّل سياقاً مثالياً لإظهار كيفية التعامل مع التحديات الدولية، مثل الاحتباس الحراري، والذي يؤثّر على الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق يمكن قراءة نتائج قمة بغداد في عمّان التي لم تحمل جديداً عن القمة الأولى، لا بل رأى البعض من المراقبين الذين حمّلوا القمة أكثر مما تحتمل، بأنّها أخفقت في جمع أقطاب إقليمية على مستوى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وأنّها لم تحمل أي مؤشرات حول ما سوّقه البعض عن إنفراجات في أزمة رئاسة الجمهورية اللبنانية، لا بل قرأ البعض في كلام الرئيس الفرنسي مؤشراً تراجعياً في قوله إنّ  "أزمات العراق وسوريا ولبنان تتطلب لحلّها أجندة تعاون صادقة بين الدول المعنيّة"، مضيفاَ أنّه  "يتعيّن علينا أن نعزّز الاستثمارات في مجال النقل والتدريب على المهن التقنية والصناعة"، وأشار إلى أنّ "الأمن، والاقتصاد، والبنية التحتية، هي الركائز الأساسية لتحسين استقرار المنطقة برمتها".

ورأى المراقبون أنّ أهم ما ورد في البيان الختامي هو أنّ، "تحقيق التنمية الاقتصادية ونجاح مشاريع التعاون الإقليمي، يتطلبان علاقات إقليمية بنّاءة قائمة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام القانون الدولي واعتماد الحوار سبيلاً لحلّ الخلافات، وعلى التعاون في تكريس الأمن والاستقرار، ومحاربة الإرهاب، وتحقيق الرخاء"، سيّما وأنّ هذه الفقرة جاءت تأكيداً على مواقف بعض القيادات تجاه التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي، وتدخل بعض الفصائل العراقية الموالية لإيران في شؤون الدول الأخرى، وهذا ما أوضحته وزيرة الخارجية الفرنسية بعد القمة بقولها: إنّ "كثيراً من الدول أثارت مسألة التدخل الخارجي في الشأن العراقي، وهذا ليس مقصوداً به فرنسا"، لافتةً إلى أنّه على إيران "احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتوقّف عن التدخل في شؤون دول الجوار"، مطالبةً "بالإفراج الفوري عن الرهائن الفرنسيين في إيران". 

ويترقب الجميع بعد قمة بغداد 2 إلى مدى قدرة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تنفيذ ما أشار إليه في كلمته: "لا نسمح باستخدام أراضينا لانطلاق أي تهديد لدول الجوار. العراق ينأى بنفسه عن سياسات المحاور، ودعوات التصعيد"، كما دعا "تركيا وإيران إلى ضمان أمن العراق المائي"، مشيراً إلى أنّها تشكّل "تهديداً وجودياً بسبب شحّ المياه". وحثّ على "مواصلة العمل المشترك لمحاربة الفكر المتطرف".
وفيما غاب لبنان عن القمة حضورياً وسياسياً، حيث لم يتطرق البيان الختامي إلى أي إشارة للفراغ الرئاسي، ما يؤشّر إلى أنّ مساعي الرئيس الفرنسي لم تحقّق اختراقاً في جدار الأزمات الإقليمية العميقة.